[الشبهة الخامسة: (ترك الاحتساب بسبب عدم استجابة الناس)]
يقول بعض الناس: (ينبغي أن لا نضيع جهودنا وأوقاتنا في أمر الناس بالمعروف ونهيهم عن المنكر حيث إنهم لا يستجيبون).
بيان حقيقة هذه الشبهة: ...
١ - لا يشترط لوجوب الاحتساب قبول الناس.
٢ - الحكم على الناس بعدم الاستجابة من الأمور الغيبية.
٣ - وجوب التأسي بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر.
أولا: لا يشترط لوجوب الاحتساب قبول الناس:
لم يشترط الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم لوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر استجابة الناس، بل أوجب الله تعالى على نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى أمته تبليغ الناس أوامره ونواهيه سواء استجابوا أم لم يستجيبوا. وقد وردت نصوص كثيرة تبين هذا. منها على سبيل المثال قوله تعالى: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا البَلَاغُ المُبِينُ [النور:٥٤].
ومنها قوله تعالى: فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البَلَاغُ [آل عمران: ٢٠].
ومنها قوله تعالى: فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا البَلَاغُ المُبِينُ [المائدة: ٩٢].
ومنها قوله تعالى: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البَلَاغُ المُبِينُ [النحل: ٨٢].
ومنها قوله تعالى: فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا البَلَاغُ المُبِينُ [التغابن: ١٢].
ومنها قوله تعالى: فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا البَلَاغُ المُبِينُ [النحل: ٣٥].
ومنها قوله تعالى: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ [هود: ٥٧].
ومنها قوله تعالى: وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البَلَاغُ وَعَلَيْنَا الحِسَابُ [الرعد: ٤٠].
ومنها قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة: ٦٧].
ومنها قوله تعالى: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ [الغاشية: ٢١ - ٢٢].
فمهمة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وهكذا مهمة أمته أن يبلغوا الناس أوامر الله تعالى ونواهيه ويذكروهم سواء استجابوا أم لم يستجيبوا ولا عذر لهم عند الله لترك هذه المهمة الجليلة بسبب إعراض الناس عنهم. وفي هذا الصدد يقول الإمام النووي: (وقال العلماء رضي الله عنهم: ولا يسقط عن المكلف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكونه لا يفيد في ظنه، بل يجب عليه فعله فإن الذكرى تنفع المؤمنين). وقد قدمنا أن الذي عليه الأمر والنهي لا القبول، وكما قال الله عز وجل: مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا البَلَاغُ (١).
ومما يؤكد هذا ما قصه الله تعالى عن أصحاب السبت حيث استمر الصالحون في نهي العصاة عن التحايل للصيد يوم السبت، ولم يتركوا الاحتساب بسبب عدم استجابة العصاة، بل صرحوا أنهم يقصدون من وراء احتسابهم أمرين:
أ- أن يقبل عذرهم عند الله تعالى.
ب- لعل العصاة يستجيبون فيتركون التحايل ويتوبون إلى الله تعالى.
يقول سبحانه وتعالى عن قصتهم: وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [الأعراف: ١٦٤].
(١) ((شرح النووي على صحيح مسلم)) (٢/ ٢٢ - ٢٣).