للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الأول: الأدلة من القرآن الكريم على ذلك]

- قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم: وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ اليوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [الإسراء:١٣ - ١٤]

يخبر سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة أنه ما من إنسان إلا وسيجد كتاب أعماله ملازماً له، ينشر عليه في يوم القيامة، ويقال له: اقرأ كتابك وأنت حسيب نفسك، بعد أن تقف على كل أعمالك التي عملتها في الدنيا، وهذا هو العدل التام, والإنصاف الكامل.

(عن أنس رضي الله عنه في قوله: طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ [الإسراء:١٣] قال: كتابه) (١).

وعن السدي رضي الله عنه في الآية قال: الكافر يخرج له يوم القيامة كتاب، فيقول: رب إنك قد قضيت أنك لست بظلام للعبيد, فاجعلني أحاسب نفسي، فيقال: اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ اليوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [الإسراء:١٤]

وفي قراءة أبي بن كعب رضي الله عنه: (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه يقرؤه يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً).

وعن مجاهد رضي الله عنه أنه قرأ: (ويخرج له يوم القيامة كتاباً. بفتح الياء: يعني يخرج الطائر كتاباً).

وعن قتادة في قوله تعالى: اقْرَأْ كَتَابَكَ [الإسراء:١٤] قال:) يقرأ يومئذ من لم يكن قارئاً في الدنيا).

وقد عبر الله عن كتاب الأعمال بالطائر: أي عمله الذي طار عنه من خير وشر (٢).

٢ـ وقال تعالى: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيه فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَة فِي جَنَّةٍ عَاليةٍ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌكُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَاليةِ وأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ مَا أَغْنَى عَنِّي مَاليهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ [الحاقة:١٩ - ٢٩]

وهذا وصف من الله جل وعلا، وتقسيم كذلك لحال الناس بالنسبة لإيتائهم كتبهم: قسم يأخذه بيمينه، ثم يعبر عن سروره وغبطته, وما يصير إليه حاله من النعيم العظيم, والفوز الكبير.

وقسم آخر يأخذه بشماله، ثم يعبر عن حسرته وندامته وتمنيه أنه لم يكلف بقراءة كتاب ولم يوقف لحساب، أو تمنيه كذلك لأن تكون موتته التي ماتها هي القاضية فلا يبعث ولا يحاسب، ثم يتذكر بعض الأسباب التي كانت تحول بينه وبين السعادة في الآخرة، والتي منها اغتراره بالمال والسلطان، وهما آفة الكثير ممن يقع عليهم شدة الحساب ووقوع العذاب.

قال ابن جرير رحمه الله في معنى الآية:

(يقول تعالى ذكره: فأما من أعطي كتاب أعماله بيمينه فيقول: تعالوا اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ [الحاقة: ١٩]، وأخرج عن ابن زيد في قول الله: هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ [الحاقة: ١٩] قال: تعالوا، وأخرج عن قتادة أنه قال: (كان بعض أهل العلم يقول: وجدت أكيس الناس من قال: هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ. [الحاقة: ١٩])

ومعنى قوله: إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ [الحاقة: ٢٠] يقول: إني علمت أني ملاق حسابيه إذا وردت يوم القيامة على ربي.


(١) رواه ابن أبي حاتم في ((العلل)) (٣/ ٧٤). من حديث عريف بن درهم عن أنس. قال أبو حاتم: عريف كوفي، ولم يسمع من أنس شيئا.
(٢) ((المفردات)) (ص ٣١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>