للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثاني: القاعدة الثانية إجراء نصوص القرآن والسنة على ظاهرها دون تحريف لاسيما نصوص الصفات حيث لا مجال للرأي فيها.]

ودليل ذلك: السمع، والعقل أما السمع: فقوله تعالى: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء:١٩٣] وقوله: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [يوسف:٢] وقوله: إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الزخرف:٣] وهذا يدل على وجوب فهمه على ما يقتضيه ظاهره باللسان العربي إلا أن يمنع منه دليل شرعي وقد ذم الله تعالى اليهود على تحريفهم، وبين أنهم بتحريفهم من أبعد الناس عن الإيمان فقال: أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة:٧٥] وقال تعالى: مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا [النساء:٤٦] الآية وأما العقل: فلأن المتكلم بهذه النصوص أعلم بمراده من غيره، وقد خاطبنا باللسان العربي المبين فوجب قبوله على ظاهره وإلا لاختلفت الآراء وتفرقت الأمة القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى لمحمد بن صالح بن عثيمين - ص٤٢

والمراد بالظاهر: الظاهر الشرعي، وذلك بإثبات الصفات الواردة في الكتاب والسنة على حقيقة الإثبات وتنزيه الخالق عن مشابهة الخلق له في تلك الصفات (١) مع قطع الطمع عن إدراك الكيفية – ... – وبهذا يعلم أن معاني نصوص الصفات مفهومة، وأن إدراك كيفية الصفات شيء ممتنع. فما يتبادر إلى الذهن من المعاني الشرعية هو المراد بالظاهر.

وأما ترك التحريف، فالمراد به عدم التسلط على نصوص الصفات بصرف معانيها المتبادرة بأصل الوضع أو السياق إلى معاني أخرى غير متبادرة، وهذا الذي يسميه أهله تأويلاً،. ...

المسألة الأولى دواعي حمل النصوص على ظاهرها

وهذه الدواعي هي أدلة كلية تبين أن حمل نصوص الصفات على ظاهرها متعين، وهو أمر لا خفاء فيه ولا غموض، ويمكن حصرها ... في أربعة أدلة:

الدليل الأول: وصف القرآن بالبيان والهدى:

إذا كان السامع متمكناً من الفهم، وكان خطاب المتكلم بيناً واضحاً، فهم المخاطب مراد المتكلم بكلامه. وقد وصف الله تعالى كتابه بأنه تبيان لكل شيء فقال: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ [النحل: ٨٩] وقال: وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [النحل: ٦٤]، وقال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [إبراهيم: ٤]، وقال تعالى: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [النحل: ٤٤].


(١) انظر: ((الرسالة التدمرية)) (ص: ٦٩) و ((أضواء البيان)) (٢/ ٣١٩ - ٣٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>