وأما كمال إيمان الصحابة رضوان الله عليهم فقد قال تعالى عنهم: وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [الأنفال: ٧٤] وقال: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ [آل عمران: ١١٠] وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((خير الناس قرني ... )) (١)، وتمسكهم بالكتاب والسنة معلوم، وقد أخذوا من ذلك حظاً وافراً فاستحقوا تلك الخيرية المنصوص عليها. ولم يؤثر عنهم الخوض فيما خاض فيه المتأخرون مع قدرتهم على البيان لفصاحتهم ورجحان عقولهم، ولم يكونوا يعدلون عن النصوص الشرعية مهما أثيرت الشبهات، فإن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – لما ذكر له كلام بعض الناس وخوضهم في القدر تبرأ منهم واكتفى بذكر حديث جبريل عليه السلام في الإسلام والإيمان والإحسان ... فهذا يدل على اعتصامهم بالشرع، وأن الشرع هو الحق وأنه قد جاء بإثبات الصفات لله على الوجه اللائق به.
ثم إن التابعين الذين أخذوا العلم عن الصحابة، وهم خير من جاء بعدهم لم يكونوا يعدلون عن الأدلة الشرعية ولم يقولوا فيها إنها ظنية، بل كلامهم في ذم الكلام وأهله وهجر المبتدعة مشهور. وهكذا من جاء بعدهم إلى زمان الأئمة الأربعة ومن تبعهم بإحسان يقولون بهذا الأصل العظيم.
الأمر الثاني: مما يدعو إلى الاكتفاء بالشرع:
هو أن مسائل الإيمان بالأسماء والصفات من المسائل الغيبية التي لا يمكن أن تعرف إلا بالخبر الصادق، والخبر الصادق يأتي ببيان الأسماء والصفات، ويأتي كذلك بطرق إثباتها من الطرق العقلية الواضحة – ويبين طريقة الإثبات والتنزيه فيها.
أما ما عدا ذلك فعلوم مأخوذة من فلاسفة اليونان دخلت على المسلمين فأحدثت بينهم شراً مستطيراً، فنشأت الفرق، وكلها متناحرة مختلفة فيما بينها، مخالفة للكتاب والسنة، بل إن الفرقة الواحدة يؤثر عنها في المسألة الواحدة أكثر من قول، وهذا حال كل من ابتغى الهدى في غير كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
فدخول هذه العلوم كان شراً لا شك فيه، ومن شرها أنه قد تسلط بها بعض أعداء الإسلام في النيل منه، ذلك لأن بعض من أخذ هذه العلوم من المسلمين حاول تطبيق ما ورد في الشرع على تلك الأصول الفاسدة، فيؤول به الأمر إلى إنكار الصفات وغير ذلك، كما هو الشأن في إثبات وجود الله تعالى، إذ يقوم عندهم دليل إثباته على أصل فاسد وهو منع قيام الحوادث بذات الباري، ففرعوا على هذا: القول بنفي الصفات الاختيارية عنه ... فيكثر عندئذ التناقض، ويلتزمون شنائع يتسلط بها عليهم بعض أعداء الإسلام.
ولهذا الاضطراب الواقع والحيرة الشديدة تراجع بعض كبار علماء الكلام عما خاضوا فيه مسلمين للسلف طريقتهم ...
فكيف بعد هذا يوثق بعلوم هؤلاء الفلاسفة، وقد اجتمعت الأمور الآتية:
١ - النهي عن متابعة غير الكتاب والسنة.
٢ - ونهي الأئمة عن علم الكلام لاشتماله على الباطل.
٣ - وحيرة وتردد من خاض فيه من الكبار!. منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله تعالى لخالد عبد اللطيف - بتصرف– ٢/ ٤٣٤
(١) رواه البخاري (٢٦٥٢)، ومسلم (٢٥٣٣). من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.