للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثالث: التقليد في العقيدة وهل يعتبر عذرا]

اختلف الأئمة والعلماء في مسألة التقليد في العقائد، فذهب كثير من الأصوليين والمتكلمين إلى تحريم التقليد، وذهب كثير من الفقهاء من الحنابلة والظاهرية وغيرهم إلى جواز ذلك، وسنعرض إلى هذين الرأيين – باختصار -.

الرأي الأول: قال الزركشي رحمه الله: ( .. والعلوم نوعان: عقلي وشرعي، الأول: العقلي، وهو المسائل المتعلقة بوجود الباري وصفاته، واختلفوا فيها، والمختار أنه لا يجوز التقليد، بل يجب تحصيلها بالنظر، وجزم به الأستاذ أبو منصور (١) والشيخ أبو حامد الأسفراييني في تعليقه، وحكاه الأستاذ أبو إسحاق في (شرح الترتيب) عن إجماع أهل العلم من أهل الحق وغيرهم من الطوائف، وقال أبو الحسين بن القطان في كتابه: لا نعلم خلافاً في امتناع التقليد في التوحيد ... وحكاه ابن السمعاني عن جميع المتكلمين، وطائفة من الفقهاء وقالوا: لا يجوز للعامي التقليد فيها، ولابد أن يعرف ما يعرفه بالدليل .. ) (٢).

وقال الفخر الرازي رحمه الله: (لا يجوز التقليد في أصول الدين، لا للمجتهد، ولا للعوام، وقال كثير من الفقهاء بجوازه) (٣) ومن أهم أدلة من يمنع ذلك ما يلي:

١ - أن النظر واجب، وفي التقليد ترك للواجب فلا يجوز (٤) واستدلوا لذلك بالأدلة العامة الواردة في ذلك من مثل قوله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّار [آل عمران: ١٩٠ - ١٩١].

وبعضهم وضع ذلك شرطاً في صحة الإيمان، قال الزركشي: (وجزم أبو منصور بوجوب النظر، ثم قال: فلو اعتقد من غير معرفة بالدليل، فاختلفوا فيه، فقال أكثر الأئمة: إنه مؤمن من أهل الشفاعة، وإن فسق بترك الاستدلال، وبه قال أئمة الحديث، وقال الأشعري وجمهور المعتزلة: (لا يكون مؤمناً، حتى يخرج فيها عن جملة المقلدين) (٥).

٢ - وفرقوا بين العقائد والأحكام، وقالوا: إن المطلوب في العقائد العلم واليقين، وذلك لا يحصل من التقليد، بخلاف الفروع فإن المطلوب فيها الظن، وهو حاصل من التقليد (٦)، وقالوا: العقائد أهم الفروع والمخطئ فيها كافر (٧).


(١) أبو منصور البغدادي.
(٢) ((البحر المحيط)) (٦/ ٢٧٨).
(٣) ((المحصول)) (٢/ ١٢٥)، وانظر ((الأحكام)) للآمدي (٤/ ٢٢٣)، و ((اللمع في أصول الفقه)) لأبي إسحاق الشيرازي (ص: ١٢٥)، و ((المسودة)) (ص: ٤٥٧)، و ((إرشاد الفحول)) (ص: ٢٦٦) وغيرها.
(٤) انظر: ((الأحكام)) للآمدي (٤/ ٢٢٣)، و ((المعتمد)) (٢/ ٩٤١).
(٥) ((البحر المحيط)) (٦/ ٢٧٨)، وقال الزركشي: (وقد اشتهرت هذه المقالة عن الأشعري، أن إيمان المقلد لا يصح، وقد أنكر أبو القاسم القشيري، والشيخ أبو محمد الجويني وغيرهما من المحققين صحته عنه) ٦/ ٢٧٩. وانظر في مسألة إيمان المقلد، ((المنهاج في شعب الإيمان)) للحليمي (١/ ١٤٥ – ١٥٠)، ((وأصول الدين)) للبغدادي (ص: ٢٥٤، ٢٥٥)، و ((شرح الفقه الأكبر)) لملا القاري (ص: ١٢١)، ((فتح الباري)) (١٣/ ٣٤٩).
(٦) انظر ((الأحكام)) للآمدي (٤/ ٢٢٨).
(٧) انظر ((البحر المحيط)) (٦/ ٢٨٣)، و ((المحصول)) (٢/ ١٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>