للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الشبهة الرابعة: (ترك الاحتساب خشية الوقوع في الفتنة)]

يقول بعض الناس: (لا نقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأننا نخشى الوقوع في الفتنة بسبب ذلك).

كشف حقيقة هذه الشبهة: ...

١ - ترك الاحتساب هو الذي يعرض العبد للفتنة.

٢ - مشابهة هذا القول بتعليل المنافق الجد بن قيس للتخلف عن الغزوة.

٣ - تعارض هذا القول مع وصية النبي صلى الله عليه وسلم.

٤ - منافاة هذا القول لسيرة الأنبياء والصالحين.

٥ - تنبيه.

أولا: ترك الاحتساب هو الذي يعرض العبد للفتنة:

لنا أن نسأل أصحاب هذا القول: هل سلمتم من الفتنة بترككم الاحتساب أم أنكم وقعتم فيها؟

تؤكد نصوص الكتاب والسنة أن ترك الاحتساب يعرض العبد للفتنة. ومن تلك النصوص قوله تعالى: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ [الأنفال: ٢٥].

يقول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في تفسير الآية: (أمر الله عز وجل المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم الله بعذاب يصيب الظالم وغير الظالم) (١).

ومنها ما رواه الإمام الطبراني عن العرس بن عميرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تعالى لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى تعمل الخاصة بعمل تقدر العامة أن تغيره، ولا تغيره، فذاك حين يأذن الله في هلاك العامة والخاصة)) (٢).

ومنها ما روى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا رأيتم أمتي تهاب الظالم أن تقول له: إنك أنت ظالم، فقد تودع منهم)) (٣).

يقول القاضي عياض في شرح الحديث: (أصله من التوديع، وهو الترك، وحاصله أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمارة الخذلان وغضب الرب).

ولا يمكن الوقاية من هذه الفتنة إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. يقول الشيخ جلال الدين المحلي في تفسير الآية: وَاتَّقُوا فِتْنَةً ... الآية. (واتقاؤها بإنكار موجبها من المنكر) (٤).

ثانياً: مشابهة هذا القول بتعليل المنافق الجد بن قيس للتخلف عن الغزوة:

مما يؤكد شناعة هذا التعليل لترك الاحتساب أنه عين التعليل الذي علل به الجد بن قيس عند تخلفه عن غزوة تبوك، فكشف العليم الخبير حقيقة تعليله وذمه في آيات تتلى إلى الأبد. فقد ذكر الإمام الطبري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر ذات يوم وهو في جهازه، للجد بن قيس أخي بني سلمة: ((هل لك يا جد العام في جلاد بني الأصفر؟

فقال: يا رسول الله! أو تأذن لي ولا تفتني، فوالله! لقد عرف قومي ما رجل أشد عجباً بالنساء مني. وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر أن لا أصبر عنهن.

فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: قد أذنت لك)) (٥).


(١) ((تفسير البغوي)) المطبوع على هامش تفسير الخازن (٣/ ٢٣)، وانظر أيضاً ((تفسير الطبري)) (١٣/ ٤٧٤).
(٢) رواه الطبراني (١٧/ ١٣٨) (١٤٠٣١). قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٧/ ٢٧١): رجاله ثقات.
(٣) رواه أحمد (٢/ ١٩٠) (٦٧٨٤)، والبزار (٦/ ٣٦٣) (٢٣٧٥)، والحاكم (٤/ ١٠٨) والبيهقي (٦/ ٩٥ رقم ١١٢٩٦). قال الحاكم: صحيح الإسناد ووافقه الذهبى، وقال الهيثمى (٧/ ٢٦٥): رواه أحمد، والبزار بإسنادين، ورجال أحد إسنادى البزار رجال الصحيح، وكذلك رجال أحمد، وصحح إسناده أحمد شاكر في تحقيقه للمسند (١٠/ ٣٠).
(٤) ((تفسير الجلالين)) (١/ ١٥١).
(٥) رواه الطبري في تفسيره (١٤/ ٢٨٧)، وابن أبي حاتم في تفسيره (ص: ١٨٠٩)، والطبراني في المعجم الأوسط (٥٦٠٤) والبيهقي في دلائل النبوة ٥/ ٢٢٥ وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٧/ ٣٣): فيه يحيى الحماني وهو ضعيف. وقال الألباني: في ((فقه السيرة)) (ص٤٠٦): ضعيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>