للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المسألة الثانية: حكم الإصرار على المعصية]

وأما عن الإصرار على المعصية فنقول: إن الإصرار معناه الثبات على الأمر ولزومه (١). أو الإقامة على الشيء والمداومة عليه (٢). وهو هنا بمعنى الثبوت على المعاصي (٣). أي الإقامة على فعل الذنب أو المعصية مع العلم بأنها معصية دون الاستغفار أو التوبة (٤). وهو الاستمرار على المعصية وعدم الإقلاع عنها (٥) والعزم بالقلب عليها (٦).

وحكم المصر على المعصية عند أهل السنة هو حكم مرتكب الكبيرة. يذكر ابن حجر الهيتمي في كتابه (الزواجر) أن من جملة الكبائر: (فرح العبد بالمعصية، والإصرار عليها، ونسيان الله تعالى والدار الآخرة، والأمن من مكر الله، والاسترسال في المعاصي) اهـ (٧). فاقتراف المعاصي بمفرده عندهم لا يخرج من دين الله، ولا توقع المعاصي فمن كبائر وذنوب صاحبها في الردة إن لم يقترن بها سبب من أسباب الكفر، ولذلك يقرر الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى في عقيدته: (ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله) (٨).

ولكن الإمام الطحاوي سرعان ما يعقب على ذلك بقوله: (ولا نقول: لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله) (٩) وذلك لأن أهل السنة يرون أن فعل المعاصي يترتب عليه العذاب والعقاب الأخروي الذي أخبر عنه الشارع لكثير من المحرمات والمعاصي، وتوعد الله به على فعلها في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنها تؤثر على الإيمان من حيث زيادته ونقصانه، لا من حيث بقاؤه وذهابه (١٠).

وكذلك فإن صاحب المعصية المصر عليها يُخشى عليه – عند أهل السنة – سوء العاقبة، لأن المعاصي عندهم هي بريد الكفر، والإكثار من مقارفة المعاصي قد يؤدي إلى الوقوع في الكفر والردة والعياذ بالله، فالاستغراق في المعاصي أو الإصرار عليها قد يجعلها تحيط بصاحبها وتنبت النفاق في قلبه؛ فيرون عليه ويسد منه كل منافذ الخير دونما شعور منه حتى يسقط منه إما عمل القلب فيعدو يؤول ويبرر لصاحبه كل ما يفعله حتى يوقعه في استحلال المعاصي، وإما يسقط منه قول القلب فينكر بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، لتبرير مقتضيات الهوى والشهوة (١١).

قال الله تعالى: بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة: ٨١].

وقد نقل الإمام ابن كثير في تفسيره تفسير السلف رضي الله تعالى عنهم للسيئة والخطيئة هنا بأنها: (إما الكفر والشرك، وإليه ذهب ابن عباس وأبو هريرة وأبو وائل وأبو العالية ومجاهد وعكرمة والحسن وقتادة والربيع بن أنس. وإما الموجبة أو الكبيرة من الكبائر، وإليه ذهب السدي وأبي رزين والربيع بن الخيثم ورواية أخرى عن أبي العالية ومجاهد والحسن وقتادة والربيع بن أنس).

ثم علق ابن كثير بقوله: (وكل هذه الروايات متقاربة في المعنى والله أعلم).


(١) ((المعجم الوجيز)) (ص: ٣٦٣) مجمع اللغة العربية بالقاهرة.
(٢) ((مختار الصحاح)) (ص: ٣٨٤).
(٣) ((تفسير الطبري)) (٤/ ٩١).
(٤) ((تفسير القرطبي)) (٤/ ٢١١). و ((صفوة التفاسير)) (٢/ ٥٢).
(٥) ((تفسير ابن كثير)) (١/ ٤٠٧).
(٦) ((تفسير القرطبي)) (٤/ ٢١١).
(٧) ((الزواجر)) (١/ ١٤٧ وما بعدها)
(٨) ((شرح العقيدة الطحاوية)) لابن أبي العز الحنفي (١/ ٢٠٤)، وانظر: ((الإيمان)) لنعيم ياسين (ص: ٢٢٣) وما بعدها.
(٩) ((شرح العقيدة الطحاوية)) لابن أبي العز الحنفي (١/ ٢٠٤).
(١٠) ((الإيمان)) لنعيم ياسين (ص: ١٢٣) وبعدها.
(١١) ((الإيمان)) لنعيم ياسين (ص: ٢٢٣) وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>