للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الأول: كيف تكون فتنة القبر؟]

إذا وضع العبد في قبره جاءته ملائكة على صورة منكرة، ففي سنن الترمذي ((إذا قبر الميت – أو قال: أحدكم – أتاه ملكان أسودان أزرقان، يقال لأحدهما: المنكر، وللآخر: النكير، فيقولان، ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: ما كان يقول، هو عبد الله ورسوله، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله. . وإن كان منافقاً، قال: سمعت الناس يقولون قولاً، فقلت مثله، لا أدري ... )) (١).

وجاء في الحديث الذي يرويه البراء بن عازب عن الرسول صلى الله عليه وسلم: ((فيأتيه ملكان شديدا الانتهار فينتهرانه، ويجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ وهي آخر فتنة تعرض على المؤمن، فذلك حين يقول الله عز وجل: يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [إبراهيم: ٢٧]، فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم، فينادي مناد من السماء: أن صدق عبدي، وقال في العبد الكافر أو الفاجر: ويأتيه ملكان شديدا الانتهار، فينتهرانه، ويجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه، هاه لا أدري، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه، هاه لا أدري، فيقولان: فما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فلا يهتدي لاسمه، فيقال: محمد، فيقول: هاه، هاه لا أدري، سمعت الناس يقولون ذاك، قال: فيقولان: لا دريت ولا تلوت فينادي منادي أن كذب عبدي)) (٢).

وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن العبد إذا وضع في قبره، وتولى عنه أصحابه، إنه ليسمع قرع نعالهم، إذا انصرفوا: أتاه ملكان، فيقعدانه، فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل، محمد؟ فأما المؤمن، فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله .. ، وأما الكافر أو المنافق، وفي رواية: وأما الكافر والمنافق – فيقول: لا أدري، كنت أقول ما يقول الناس فيه، فيقال: لا دريت، ولا تليت .. )) رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي (٣). ولم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم في أول الأمر أن هذه الأمة تفتن في قبورها، ثم أوحى الله له بهذا العلم، فقد حدث عروة بن الزبير عن خالته عائشة، قالت: ((دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعندي امرأة من اليهود، وهي تقول: هل شعرت أنكم تفتنون في القبور؟ قالت: فارتاع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: إنما تفتن اليهود. قالت عائشة: فلبثنا ليالي، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل شعرت أنه أوحي إليَّ أنَّكم تفتنون في القبور؟ قالت عائشة: فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد: يستعيذ من عذاب القبر)) (٤). القيامة الصغرى لعمر بن سليمان الأشقر - ص ٤٤


(١) رواه الترمذي (١٠٧١). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وقال: حسن غريب، وقال محمد المناوي في ((تخريج أحاديث المصابيح)) (١/ ١١٩) رجاله رجال مسلم، وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (١/ ١١٥) كما قال ذلك في المقدمة.
(٢) رواه أبو داود (٤٧٥٣)، وأحمد (٤/ ٢٨٧) (١٨٥٥٧). والحديث سكت عنه أبو داود. وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٣/ ٥٠): هو في (الصحيح) وغيره باختصار رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): صحيح.
(٣) رواه البخاري (١٣٧٤)، ومسلم (٢٨٧٠)، وأبو داود (٢٨٩٧)، والنسائي (٤/ ٩٧).
(٤) رواه مسلم (٥٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>