للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفرع الثالث: فضل عثمان بن عفان]

عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، من السّابقين الأوّلين إلى الإسلام بدعوة الصّدّيق إياه، وزوّجه رسول الله صلى الله عليه وسلم رقية ابنته رضي الله عنها، وهاجر الهجرتين وهي معه، وتخلّف عن بدر لمرضها، وضرب له النّبيّ صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره، وبعد وفاتها زوّجه النّبيّ صلى الله عليه وسلم أم كلثوم بمثل صداق رقية على مثل صحبتها وبذلك تسمى (ذو النورين) لأنّه تزوج ابنتي نبيٍّ واحدة بعد واحدة ولم يتفق ذلك لغيره رضي الله عنه.

(ذو الحلم) التام الذي لم يدركه غيره (والحياء) الإيماني الذي يقول فيه النّبيّ صلى الله عليه وسلم: ((الحياء شعبةٌ من الإيمان)) (١). وقال: ((وأصدقهم حياء عثمان)) (٢) , (بحر العلوم) الفهم التام في كتاب الله تعالى حتى إن كان ليقوم به في ركعة واحدة فلا يركع إلاّ في خاتمتها إلاّ ما كان من سجود القرآن.

(جامع القرآن) لما خشي الاختلاف في القرآن والخصام فيه في أثناء خلافته رضي الله عنه فجمع الناس على قراءةٍ واحدةٍ وكتب المصحف على القراءة الأخيرة التي درسها جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر سني حياته.

وكان سبب ذلك أنّ حذيفة بن اليمان كان في بعض الغزوات، وقد اجتمع فيها خلق من أهل الشام ممن يقرأ على قراءة المقداد بن الأسود وأبي الدرداء، وجماعة من أهل العراق ممن يقرأ على قراءة عبد الله بن مسعود وأبي موسى، وجعل من لا يعلم بجواز القراءة على سبعة أحرف يفضل قراءته على قراءة غيره وربما خطّأه الآخر أو كفّره، فأدّى ذلك إلى خلاف شديد وانتشار الكلام السيّئ بين الناس، فركب حذيفة إلى عثمان فقال: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمّة قبل أن تختلف في كتابها كاختلاف اليهود والنصارى في كتبهم، وذكر له ما شاهد من اختلاف الناس في القراءة فعند ذلك جمع الصحابة وشاورهم في ذلك ورأى أن يكتب المصحف على حرفٍ واحدٍ وأن يجمع الناس في سائر الأقاليم على القراءة به دون ما سواه لما رأى في ذلك من مصلحة كفّ المنازعة ودفع الاختلاف فاستدعى بالصحف التي كان أمر زيد بن ثابت بجمعها فكانت عند الصديق أيام حياته، ثم كانت عند عمر، فلما توفي صارت إلى حفصة أم المؤمنين. فاستدعى بها عثمان وأمر زيد بن ثابت الأنصاري أن يكتب وأن يملي عليه سعيد بن العاص الأموي بحضرة عبد الله بن الزبير الأسدي وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي، وأمرهم إذا اختلفوا في شيءٍ أن يكتبوه بلغة قريش، فكتب لأهل الشام مصحفاً، ولأهل مصر آخر، وبعث إلى البصرة مصحفاً، وإلى الكوفة بآخر، وأرسل إلى مكّة مصحفاً، وإلى اليمن مثله، وأقر بالمدينة مصحفاً، ويقال لهذه المصاحف (الأئمة)، ثم عمد إلى بقية المصاحف التي بأيدي الناس مما يخالف ما كتبه فحرقه لئلا يقع بسببه اختلاف.


(١) رواه البخاري (٩) , ومسلم (٣٥) , من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢) رواه الترمذي (٣٧٩٠) , وابن ماجه (١٥٤) , وأحمد (٣/ ١٨٤) (١٢٩٢٧) , والحاكم (٣/ ٤٧٧). قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث قتادة إلا من هذا الوجه. وقال الحاكم: هذا إسنادٌ صحيحٌ على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة وإنما اتفقا بإسناده هذا على ذكر أبي عبيدة فقط. ووافقه الذهبي. وقال البيهقي في ((السنن الكبرى)) (٦/ ٢١٠): موصول. وقال ابن العربي في ((العواصم من القواصم)) (٢٥٢): ثابت. وقال ابن حجر في ((فتح الباري)) (٧/ ٩٣): إسناده صحيح إلا أن الحفاظ قالوا: إن الصواب في أوله الإرسال والموصول منه ما اقتصر عليه البخاري. وصححه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)).

<<  <  ج: ص:  >  >>