للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجاءت أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها والنساء تسير معها، فلما رأيناها قمنا، فولجت عليه فبكت عنده ساعة، واستأذن الرجال فولجت داخلاً لهم فسمعنا بكاءها من الداخل، فقالوا: أوص يا أمير المؤمنين، استخلف. قال: ما أجد أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر – أو الرهط – الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، فسمّى عليّاً وعثمان والزبير وطلحة وسعداً وعبد الرحمن، وقال: ليشهدكم عبد الله بن عمر وليس له من الأمر شيءٌ – كهيئة التعزية له – فإن أصابت الإمرة سعداً فهو ذاك، وإلاّ فليستعن به أيّكم ما أمّر، فإنّي لم أعزله عن عجزٍ ولا خيانة. وقال: أوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأوّلين أن يعرف لهم حقّهم، ويحفظ لهم حرمتهم؛ وأوصيه بالأنصار خيراً الذين تبوّأوا الدار والإيمان من قبلهم أن يقبل من محسنهم ويعفو عن مسيئهم. وأوصيه بأهل الأمصار خيراً فإنّهم ردء الإسلام وجباة المال وغيظ العدو وأن لا يؤخذ منهم إلا فضلهم عن رضاهم. وأوصيه بالأعراب خيراً فإنّهم أصل العرب ومادّة الإسلام أن يؤخذ من حواشي أموالهم وتردّ على فقرائهم. وأوصيه بذمّة الله وذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوفى لهم بعهدهم وأن يقاتل من ورائهم ولا يكلفوا إلا طاقتهم. فلما قبض خرجنا به فانطلقنا نمشي. فسلّم عبد الله بن عمر قال: يستأذن عمر بن الخطاب. قال: أدخلوه. فأدخل: فوضع هنالك مع صاحبيه. فلمّا فرغ من دفنه اجتمع هؤلاء الرهط، فقال عبد الرحمن: اجعلوا أمركم إلى ثلاثةٍ منكم، فقال الزبير: قد جعلت أمري إلى عليٍّ، فقال طلحة: قد جعلت أمري إلى عثمان. وقال سعدٌ: قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن بن عوف. فقال عبد الرحمن: أيكما تبرّأ من هذا الأمر فلنجعله إليه، والله عليه والإسلام لينظرن أفضلهم في نفسه؟ فأسكت الشيخان، فقال عبد الرحمن: أفتجعلونه إليّ والله على أن لا آلو عن أفضلكم؟ قالا: نعم. فأخذ بيد أحدهما فقال: لك من قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والقدم في الإسلام ما قد علمت، فالله عليك لئن أمّرتك لتعدلنّ، ولئن أمّرت عثمان لتسمعنّ ولتطيعنّ؟ ثم خلا بالآخر فقال له مثل ذلك. فلمّا أخذ الميثاق قال: ارفع يدك يا عثمان، فبايعه وبايع له عليٌّ رضي الله عنه، وولج أهل الدار فبايعوه، رضي الله عنهم أجمعين (١).

وكانت مدة خلافة الفاروق رضي الله عنه عشر سنين وستة أشهر، وكانت وفاته على المشهور لثلاث بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين، وله من العمر ثلاث وستون سنة على الأشهر، وهي السن التي توفي لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وبويع لعثمان في ثلاث من المحرم دخول سنة أربع وعشرين، وأوّل من بايعه عبد الرحمن بن عوف ثم علي بن أبي طالب ثم بقية أصحاب الشّورى ثم بقيّة أهل الدار ثم بقيّة المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم أجمعين. معارج القبول بشرح سلم الوصول لحافظ الحكمي - بتصرف – ٣/ ١١٣٤٠ - ١٣٤٨


(١) رواه البخاري (٣٧٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>