[تسع وثلاثون: الآثار الإيمانية لأسماء الله الغافر – الغفور – الغفار]
١) وصف الله سبحانه نفسه بأنه غفار وغفور للذنوب والخطايا والسيئات لصغيرها وكبيرها، وحتى الشرك إذا تاب منه الإنسان واستغفر ربه، قبل الله توبته وغفر له ذنبه، قال تعالى قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزُّمر: ٥٣] وقال تعالى وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء: ١١٠].
فمهما عظمت ذنوب هذا الإنسان فإن مغفرة الله ورحمته أعظم من ذنوبه التي ارتكبها قال تعالى إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ المَغْفِرَةِ [النَّجم: ٣٢].
وقد تكفل الله سبحانه بالمغفرة لمن تاب وآمن، قال تعالى وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى [طه: ٨٢].
بل من فضله وجوده وكرمه أن تعهد بأن يبدل سيئات المذنبين إلى حسنات، قال تعالى عن التائبين فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الفرقان: ٧٠].
٢) ولكن لا يجوز للمسلم أن يسرف في الخطايا والمعاصي والفواحش بحجة أن الله غفور رحيم، فالمغفرة إنما تكون للتائبين الأوابين، قال تعالى إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا [الإسراء: ٢٥]، وقال سبحانه إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ [النمل: ١١].
فاشترط تبدل الحال من عمل المعاصي والسيئات إلى عمل الصالحات والحسنات لكي تتحقق المغفرة والرحمة. وقوله تعالى إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ [النساء: ٤٨] يبين أن المقيم على الشرك حتى الوفاة لا غفران لذنوبه لأنه لم يبدل حسناً بعد سوء، وكذا قوله تعالى عن المنافقين سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ [المنافقون: ٦] لأنهم لم يخلصوا دينهم لله ولم يصلحوا من أحوالهم وأما إذا حصل ذلك فإن المغفرة تحصل لهم مع المؤمنين قال تعالى إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ للهِ فَأُولَئِكَ مَعَ المُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ المُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء: ١٤٦] ...
٣) اتصاف الله سبحانه بأنه (غفار) للذنوب والسيئات، فضل من الله ورحمة عظيمة للعباد، لأنه غني عن العالمين، لا ينتفع بالمغفرة لهم، لأنه سبحانه لا يضره كفرهم أصلاً، ولا يغفر لهم خوفاً منهم أيضاً، لأنه قوي عزيز، قد قهر كل شيء وغلبه ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وقد نبه الله عباده إلى هذا الأمر في القرآن الكريم عدة مرات، باقتران اسمه (الغفور) مع (العزيز) كقوله تعالى إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ [فاطر: ٢٨] وقوله أَلَا هُوَ العَزِيزُ الغَفَّارُ [الزُّمر: ٥] فمع عزته وقهره، إلا أنه غفور رحيم. النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى لمحمد بن حمد الحمود- بتصرف– ص: ١٦٥