للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٦) وجود هذا الخلق العظيم المحيط بنا من كل ناحية دليل على قدرة الخالق وعلى عظمته وكماله، فالإنسان يعجز في كثير من الأحيان عن معرفة جوانب كثيرة من الأرض التي يعيش عليها، مع أنها صغيرة جداً إذا ما قيست بالنسبة لبقية الكون الفسيح المليء بملايين النجوم المضيئة والشموس والأقمار والتي يعجز عن حصرها أو عدها، وهذا كله في السماء الدنيا، التي فوقها ست سماوات طباق، بعضها فوق بعض وفوقهن جميعاً الكرسي، ومن عظمة خلق هذا الكرسي واتساعه أنه يستوعب السماوات السبع والأرض جميعاً، قال تعالى وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ [البقرة: ٢٥٥] والعرش أعظم من ذلك والخالق سبحانه فوق العرش، وهو جلت عظمته أكبر من كل شيء وأعظم.

وبذلك تعلم أن خلق الإنسان ضعيف جداً، إذا ما قورن بالسماوات السبع والكرسي والعرش كما قال تعالى لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [غافر: ٥٧] وقوله تعالى أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا [النازعات: ٢٧ - ٢٩].

٧) وأخيرا يجب أن نعلم أن الله سبحانه وتعالى ما خلق هذا الخلق العظيم لهوا ولعباً، ولا خلقه عبثا وإنما خلقه لغاية عظيمة، قال تعالى أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللهُ المَلِكُ الحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ [المؤمنون: ١١٥ - ١١٦] أي أفظننتم أنكم مخلوقون عبثاً بلا قصد ولا حكمة لنا فيكم، فتعالى الله أي تقدس وتنزه عن ذلك ثم ذكر العرش لأنه سقف جميع المخلوقات (١).

وقال عز وجل وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ [الأنبياء: ١٨].

قال ابن كثير: يخبر تعالى أنه خلق السماوات والأرض بالحق – أي بالعدل – ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى وأنه لم يخلق ذلك عبثاً ولا لبعاً (٢).

وأبان تعالى عن هذه الغاية العظيمة بقوله وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ [الذاريات: ٥٦ - ٥٧]. النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى لمحمد بن حمد الحمود– ص: ١٥٧


(١) من ((تفسير ابن كثير)) (٣/ ٢٥٩) ملخصاً.
(٢) ((تفسير ابن كثير)) (٣/ ١٧٤ - ١٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>