للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ثمان وثلاثون: الآثار الإيمانية لأسماء الخالق – الخلاق – البارئ – المصور]

١) أخبر تعالى عن نفسه أنه هو الخالق وحده وما سواه مخلوق، قال تعالى قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الوَاحِدُ القَهَّارُ [الرعد: ١٦]. وقال سبحانه هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ [فاطر: ٣].

فكل ما سوى الله مخلوق محدث، كائن بعد أن لم يكن، وكل المخلوقات سبقها العدم كما قال عز وجل هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا [الإنسان: ١].

وهذا قول الرسل جميعا وأتباعهم، وخالف في ذلك الفلاسفة القائلين بقدم العالم وأبديته وأنه لم يكن معدوماً أصلًا، بل لم يزل ولا يزال، ولكن الكتاب يرد ذلك ويرفضه (١).

٢) أن الله سبحانه لم يزل خالقاً كيف شاء ومتى شاء ولا يزال، لقوله سبحانه قَالَ كَذَلِكِ اللهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ [آل عمران: ٤٧].

وقوله: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ [القصص: ٦٨]. وقوله سبحانه: ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ [البروج: ١٥ - ١٦]. وليس بعد خلق الخلق استفاد اسم (الخالق)، ولا بإحداثه البرية استفاد اسم (الباري)، وذلك من كماله، ولا يجوز أن يكون فاقداً لهذا الكمال، أو معطلاً عنه في وقت من الأوقات، قال تعالى أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ [النحل: ١٧].

٣) إن الله تعالى ذكره خالق كل شيء. قال تعالى: ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [غافر: ٦٢].

ومن جملة مخلوقاته أفعال العباد وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، ولا يدل هذا على أن العبد ليس بفاعل على الحقيقة ولا مريد ولا مختار، بل هو فاعل لفعله حقيقة، وأن إضافة الفعل إليه إضافة حق، وأنه يستوجب عليه المدح والذم والثواب والعقاب، لكن لا يدل هذا أنه واقع بغير مشيئة الله وقدرته.

والدليل على أن أفعال العباد مخلوقة قوله تعالى وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات: ٩٦] فأفعالهم لله تعالى خلق ولهم كسب، ولا ينسب شيء من الخلق لغير الله تعالى، فيكون شريكا وندا ومساويا له في نسبة الفعل إليه، وقد نهى الله سبحانه عن ذلك بقوله فَلَا تَجْعَلُوا للهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة: ٢٢] وقد وقع في ذلك القدرية نفاة القدر، الذين جعلوا العباد خالقين مع الله تعالى، ولهذا كانوا (مجوس هذه الأمة) بل أردأ من المجوس من حيث أن المجوس أثبتوا خالقين، خالقاً للخير وخالقا للشر، وأما هؤلاء فقد أشركوا جميع العباد في الخلق فقالوا هم يخلقون أفعالهم، وخالفوا بذلك الكتاب والسنة وأهل الحق (٢).

٤) خلق الله عظيم محكم فلا يستطيع مخلوق أن يخلق مثله، فضلاً عن أن يخلق أفضل منه، قال سبحانه وتعالى: هَذَا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [لقمان: ١١]. وفي الآية تحدي لجميع الخلق من الجن والإنس وغيرهم.


(١) قال ابن تيمية في ((درء تعارض العقل والنقل)) (٢/ ١٦٧): وقد نقل غير واحد أن أول من قال بقدم العالم من الفلاسفة أرسطو.
(٢) انظر: ((العقيدة الطحاوية)) (ص: ٤٩٣ - ٥٠٢)، و ((الفتح)) (١٣/ ٤٩١ - ٤٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>