للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[اثنان وثلاثون: الآثار الإيمانية لاسم الله القدوس]

١) تقديس الله سبحانه وتنزيهه عن النقائص وأنه موصوف بكل كمال، وصفات الكمال هي ما وصف به نفسه سبحانه في كتابه أو ما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم.

وليس معنى التنزيه هو تعطيل صفات الله ونفي معاني أسمائه الحسنى كما ظنه الجهمية والمعتزلة ومن شابههم من الفرق الضالة، وإنما هو تنزيهه عن مشابهة الخلق كما قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشُّورى: ١١].

فتنزيه أهل السنة ليس فيه تعطيل، وإثباتهم ليس فيه تشبيه، والآية السابقة فيها تنزيه وإثبات، وكل تنزيه ونفي في الكتاب فإنما هو لثبوت كمال ضده، فمثلاً نفي الله عن نفسه الظلم بقوله وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصِّلت: ٤٦] وذلك لثبوت كمال العدل له سبحانه وهكذا، وأما النفي المحض فلا كمال فيه وهو مذموم.

وقال الحليمي: (القدوس) ومعناه الممدوح بالفضائل والمحاسن، والتقديس مضمن في صريح التسبيح، والتسبيح مضمن في صريح التقديس، لأن نفي المذام إثبات للمدائح، كقولنا: لا شريك له ولا شبيه له، إثبات أنه واحد أحد، وكقولنا: لا يعجزه شيء، إثبات أنه قادر قوي، وكقولنا: إنه لا يظلم أحداً، إثبات أنه عدل في حكمه.

وإثبات المدائح له نفي للمذام عنه كقولنا: إنه عالم، نفي للجهل عنه، وكقولنا: إنه قادر، نفي للعجز عنه، إلا أن قولنا هو كذا، ظاهره التقديس، وقولنا ليس بكذا، ظاهره التسبيح، لأن التسبيح موجود في ضمن التقديس، والتقديس موجود في ضمن التسبيح.

وقد جمع الله تبارك وتعالى بينهما في صورة (الإخلاص) فقال عز اسمه: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ فهذا تسبيح، والأمران راجعان إلى إفراده وتوحيده ونفي الشريك والتشبيه عنه (١).

٢) وكما أنه منزه عن النقائص في صفاته وأسمائه الحسنى، فهو أيضاً منزه عن النقص في أقواله وأفعاله.

فقوله الصدق وخبره الحق، قال سبحانه وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثًا [النساء: ٨٧] وقال وَعْدَ اللهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلًا [النساء: ١٢٢].

وفعله منزه عن الخطأ والنسيان وغيرها من الآفات، قال سبحانه وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ [الأنعام: ١١٥] أي صدقاً فيما قال وأخبر ووعد، وعدلاً فيما حكم وشرع من أحكام.

وقال تعالى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللهُ المَلِكُ الحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ [المؤمنون: ١١٥ - ١١٦] أي تعالى وتقدس وتنزه عن أن يخلق شيئا عبثاً أو سفهاً.

٣) كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من ذكر هذا الاسم في ركوعه وسجوده. فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده: سبوح قدوس رب الملائكة والروح (٢).

وكان يسبح الله به بعد فراغه من الوتر كما جاء في حديث أبي بن كعب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الوتر بسبح اسم ربك الأعلى وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد فإذا سلم قال: سبحان الملك القدوس ثلاث مرات (٣). النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى لمحمد بن حمد الحمود– ص: ٩٩


(١) ((المنهاج في شعب الإيمان)) (١/ ١٩٧) وذكره ضمن الأسماء التي تتبع نفي التشبيه عن الله تعالى جده، ونقله البيهقي في ((الأسماء)) (ص: ٣٨).
(٢) رواه مسلم (٤٨٧).
(٣) رواه النسائي (٣/ ٢٤٤)، وأحمد (٣/ ٤٠٦) (١٥٣٩٨)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (٨/ ١٠٨) (٨١١٥). والحديث صحح إسناده النووي في ((الأذكار)) (١٢٠)، وصححه ابن دقيق في ((الإلمام بأحاديث الأحكام)) (١/ ٢٢٩) على طريقة أهل الحديث - كما اشترط في المقدمة -، وابن حجر في ((نتائج الأفكار)) (٣/ ٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>