[ثالثا: الأدلة العقلية على عدالة الصحابة]
بعد أن ذكرت أدلة عدالة الصحابة من الكتاب والسنة، أذكر هنا الدليل العقلي على عدالة الصحابة، وهذا ما سأوضحه فيما يأتي:
أولاً: يتفق المسلمون على حقيقة قاطعة، هي أن الله تبارك وتعالى، أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، وكان هذا الدين خاتم الأديان، وكان رسوله خاتم الأنبياء.
وأنه عليه الصلاة والسلام أدى الأمانة على أحسن وجه وأتمه، وبلغ الرسالة فما قصر، ونصح الأمة دون أن يبخل بنصح أو إرشاد، فبين لها الشريعة وأوضح لها الحجة، فنال بذلك رضي الله تبارك وتعالى.
ومما لا شك فيه، ولا ريب أن مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم إبلاغ الرسالة، ونشر الدين وتعاليمه، وتعبيد الناس لربهم، وتحكيم القرآن الكريم، وإرشادهم إلى العمل بالإسلام كله دون تجزئته، أو تغليب جانب على آخر، بل لابد من الإحاطة به من جميع جوانبه.
وأن من مهام الرسول صلى الله عليه وسلم التي بعث من أجلها هي ما حكاه الله عز وجل في القرآن الكريم في قوله: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ [الجمعة: ٢]، وقال تعالى: لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ [آل عمران: ١٦٤].
فقوله تعالى: وَيُزَكِّيهِمْ حدد جزءاً من مهام النبي العظيم وهو التزكية وأحد مدلولات هذه اللفظة هو التربية والتطهير، أعني تربية من بعث فيهم على الفضيلة ومحاسن الأخلاق وتوجيههم إلى سلوك أحسن السبل وأقومها، وإرشادهم إلى الصالحات وتطهيرهم من الذنوب والرذائل وتنقيتهم من الأرجاس والأدناس ومما يشين عند الناس.
وقوله تعالى: وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ جعل من الرسول صلى الله عليه وسلم معلماً لقومه كتاب الله تعالى وسنته عليه الصلاة والسلام وإرساء دعائمهما، وتوضيح سبيلهما، وبيان منهجهما، وشرح عقيدتهما.
ومن البديهي أنه لا فائدة أن يسمع الرجل الآية من القرآن الكريم فيهتز طرباً لبلاغتها، وتعجبه فصاحتها، فيأخذ سحر كلماتها، وينتهي الأمر عند هذا الحد، بل المراد هو أن يجني السماع ثمرة القرآن فيعمل بأحكامه ويقيم حدوده، ويأخذ تعاليمه.
فإذا وجد مثل هؤلاء القوم المدعوين فهذا يعني أن الداعي قد نجح في مهمته، وفاز في سعيه، وهذا ما يقول به القائلون بعدالة الصحابة رضي الله عنهم فأنهم بقولهم بالعدالة يصرحون بنجاح دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن تربيته أثمرت فقد ظهرت معجزة التأثير والهداية في حياته عليه الصلاة والسلام من خلال بروز نماذج إنسانية عملية تتحلى بالأخلاق وتتزين بالفضائل، وتبتعد ما أمكنها عن الرذائل وتتخلى عن المفاسد وتتصف بالمحاسن، على استقامة في دينهم، وإخلاص في عقيدتهم، يبلغون رسالات ربهم ولا يخافون لومة لائم، باذلين ما بوسعهم من أجل الإسلام.
أما الطاعنون بعدالة الصحابة القائلون بارتدادهم بعد وفاته إلا قليلاً، أو أنهم في حياته كانوا يظهرون ما لا يضمرون، فهذا يعني بلا شك فشل تلك الجهود العظيمة التي بذلها الرسول صلى الله عليه وسلم في وظائفه التربوية والتعليمية والتبليغية والدعوية.