للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الأول: مسلك الإلزام والرد على من انحرفت فطرهم]

فمن الإلزام قوله تعالى: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ [الطور: ٣٥].

والذين انحرفت فطرهم هم الذين أنكروا الخالق تبارك وتعالى فقال الله عنهم وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ [الجاثية: ٢٤] فأنكروا البعث وأنكروا أن يكون لهم رب يفنيهم، فرد الله عليهم بقوله: وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ [الجاثية: ٢٤] أي ليس لهم علم يقين يدل على صحة قولهم، سواء كان هذا العلم خبراً، أو كان حجة وبرهاناً عقلياً، ثم بين الله أنهم في اعتقادهم الذي نطقوا به بألسنتهم شاكون ومرتابون، وهذا أمر واضح لاتباعهم الظن (١).

ومن أوجه الرد على من انحرفت فطرهم: ما جاء عن فرعون الذي كان يقول لقومه: مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي [القصص: ٣٨] فتابعه قومه على ذلك كما قال تعالى: فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ [الزخرف: ٥٤] فسأل فرعون موسى فقال: وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ [الشعراء: ٢٣] أي من هذا الذي تزعم أنه رب العالمين غيري؟ قال ابن كثير – رحمه الله – (هكذا فسره علماء السلف وأئمة الخلف) (٢).

وذلك رد على من قال: إن فرعون سأل عن ماهية الرب، وهذا غلط لأنه كان منكراً جاحداً ولم يكن مقراً حتى يسأل عن الماهية، ويبينه قوله تعالى: قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى [طه: ٤٩] وهنا أجاب موسى عليه السلام لما سأله عن رب العالمين: قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا أي خالق جميع ذلك ومالكه والمتصرف فيه وهو الذي خلق الأشياء كلها، العالم العلوي وما فيه من الكواكب، والعالم السفلي وما فيه من عجائب المخلوقات كالجبال والبحار والأشجار، وهذا الرد على فرعون واضح، لأنه لا يمكن أن يدعي ملكه لكل هذه الأشياء، وإنما كان له نوع ملك وهو محدود على مصر، فعندما سمع هذه الحجة التفت إلى من حوله من الملأ قائلاً أَلَا تَسْتَمِعُونَ على سبيل التهكم. ثم زاد موسى عليه السلام الحجج فقال: رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ. أي خالقكم وخالق آبائكم الأولين الذين كانوا قبل فرعون وزمانه، فكيف تصح منه دعوى الربوبية إذا؟ فما كان من فرعون إلا أن وصف موسى بالجنون فقال: إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ إمعاناً في تضليل قومه، فأجاب موسى بقوله: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ أي هو الذي جعل المشرق مشرقاً تطلع منه الشمس والكواكب، والمغرب تغرب فيه الشمس والكواكب بنظام دقيق لا يتغير على حسب تقديره، وتقرير الحجة: إن كان فرعون صادقاً في دعواه الربوبية فليعكس الأمر، فغلب وانقطع فعدل إلى استعمال قوته وسلطانه إلى آخر القصة. منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله تعالى لخالد بن عبد اللطيف – ١/ ٢٧٦


(١) انظر: ((تفسير الطبري)) (٢٢/ ٨٠).
(٢) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (٣/ ٣٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>