للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث التاسع: أنه آخر الكتب المنزلة]

رسالة محمد صلى الله عليه وسلم عامة للناس كلهم، والقرآن أيضاً كذلك، فعن عمومية رسالة محمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف: ١٥٨]، وقال سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ [سبأ: ٢٨]، وعن عمومية القرآن الكريم قال تعالى: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ [الأنعام: ١٩].

وإذا كانت رسالة محمد صلى الله عليه وسلم عامة، والقرآن يخاطب الناس جميعاً، من كان في عهده صلى الله عليه وسلم ومن سيأتي من بعده، فإنه يظهر بهذا العموم أنها خاتمة الرسالات، وأنه خاتم الكتب المنزلة، فليست البشرية بحاجة إلى دين جديد ما دام هذا الدين يشملهم جميعاً، والقرآن يخاطبهم جميعاً، وهذا الزمخشري يقول في تفسير قوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ [سبأ: ٢٨]، (إلا رسالة عامة لهم، محيطة بهم، لأنهم إذا شملتهم فقد كفتهم أن يخرج منها أحد منهم) (١).

هذا ما يظهر من عمومية الرسالة، فكيف إذا كان ختم النبوة قد وردت فيه النصوص الصحيحة والصريحة، قال تعالى: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب: ٤٠].

وتواترت الأخبار عنه صلى الله عليه وسلم بأنه لا نبي بعده (٢).

وإذا كان محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، فإن القرآن الذي أنزل عليه خاتم الكتب المنزلة.

وإذا كان الأمر كذلك فلا تحسبن ختم الرسالة بمحمد صلى الله عليه وسلم, وختم الكتب بالقرآن الكريم، وختم الأمم بهذه الأمة، وختم الأديان بالإسلام، أمراً هيناً، بل هو أمر عظيم يحتاج إلى وقفات ووقفات.

فكون القرآن الكريم خاتم الكتب السماوية، يعني أن القرآن حجة قائمة على كل من بلغه من الإنس والجن في كل زمان وفي كل مكان، وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ببيان ذلك في قوله تعالى: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ [الأنعام: ١٩].

ولهذا قال مقاتل بن سليمان رحمه الله تعالى: (ومن يبلغ القرآن من الجن والإنس فهو نذير لهم، يعني القرآن إلى يوم القيامة) (٣)، وقال أبو السعود في تفسيره: (أي لأنذركم به يا أهل مكة وسائر من بلغه من الأسود, والأحمر, ومن الثقلين، أو لأنذركم به أيها الموجودون ومن سيوجد إلى يوم القيامة، وهو دليل على أن أحكام القرآن تعم الموجودين يوم نزوله، ومن سيوجد بعد إلى يوم القيامة) (٤).

ويعني ختم الكتب بالقرآن أيضاً كمال الدين، قال تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا [المائدة: ٣].

نعم يعني كمال الدين، فليس من الحكمة أن تختم الأديان بدين ناقص، والله عز شأنه حكيم عليم.


(١) ((تفسير الكشاف)) الزمخشري (٢/ ٧).
(٢) ((أصول الدين)) عبد القاهر البغدادي (ص: ١٦٣) و ((الفصل في الملل والأهواء والنحل)) ابن جزم (١/ ٧٧)، و ((تفسير ابن كثير)) (٣/ ٥١٣ - ٥١٤)، و ((الأزهار المتناثرة)) للسيوطي (ص: ٣٦).
(٣) ((تفسير مقاتل)) (١/ ٣٦٨)، و ((البغوي)) (٢/ ٨٩).
(٤) ((تفسير أبو السعود)) (٢/ ٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>