للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب السادس: دلالة العقل والنقل على توحيد الألوهية]

وجه دلالة العقل على ذلك هو العلم بحسن التوحيد وقبح الشرك، فالعقل يدرك حسن عبادة الله الذي خلق فأحسن خلقه مع اتصافه بصفات الكمال وتنزهه عن صفات النقص، فهو المحسن إلى خلقه بأنواع النعم والمتفضل عليهم بأنواع الفضائل، فكل ذلك يدل على حسن عبادته رغبة فيما عنده من الخير، والعقل كذلك يدرك قبح عبادة غير الله، إذ كل من هو دون الله مخلوق مربوب فقير إلى ربه، لا يملك شيئاً، فكيف يُعطى شيئاً لا يستحقه ويُساوى بالخالق المنعم!، خاصة وأن النفوس مفطورة على الإقرار بالله والميل إلى ما ينفع ويرجى نفعه. وأما السمع فإنه دال على ... حسن التوحيد وقبح الشرك ويزيد على دلالة العقل: بإثبات العقاب على ترك التوحيد والثواب على تحقيقه. وأدلة القرآن دالة على أن العقل يعلم حسن التوحيد وقبح الشرك دون إثبات الجزاء، فمن ذلك:

الأول: أنه قد ورد في القرآن ضرب الأمثلة على بطلان الشرك وهي مقاييس عقلية، فلو لم يكن العقل مدركاً لقبحه وحسن التوحيد لما ضرب الله هذه الأمثلة ولاكتفى بالأمر بتوحيده والنهي عن الشرك به.

ومن الآيات الواردة بضرب الأمثلة قول الله تعالى: ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [النحل: ٧٥ - ٧٦]، ففيها مثلان؛

فالمثل الأول: مثل الكافر والمؤمن – والثاني: مثل ضربه الله ليبين عدم استحقاق غيره للعبادة بضعفه وعدم قدرته، وعدم فهمه وعقله. وأما الله سبحانه فهو الذي يأمر بالعدل وهو التوحيد (١).

وقال تعالى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [الزمر: ٢٩] وهذا مثل ضربه الله للمشرك الذي يعبد آلهة شتى، وللموحد الذي يعبد إلهاً واحداً وهو الله لينبه على قبح الشرك وحسن التوحيد (٢).

الثاني: ما أقامه الله من الأدلة العقلية لاستحقاقه للعبادة وحده لا شريك له كتفرده بالخلق والتدبير والرزق ... وعدم استحقاق غيره لذلك ...


(١) انظر: ((تفسير الطبري)) (٨/ ١٤/١٥٠ - ١٥١) و ((تفسير البغوي)) (٥/ ٣٣).
(٢) انظر: ((مدارج السالكين)) (٣/ ٤٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>