للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سادساً: حكم الدعاء عند القبور

قال الشيخ حافظ الحكمي-رحمه الله تعالى- في شرح منظومة سلم الوصول:

أو قصد الدعاء والتوسلا ... بهم إلى الرحمن جلّ وعلا

فبدعة محدثة ضلالة ... بعيدة عن هدي ذي الرسالة

أو قصد الدعاء من الصلاة وغيرها، أو الاعتكاف عند قبورهم أو نحو ذلك (والتوسلا) بألف الإطلاق (بهم) أي بأهل القبور (إلى الرحمن جل وعلا) عما ائتفكه أهل الزيغ والضلال (فبدعة محدثة) لم يأذن الله تعالى بها (ضلالة) كما قال صلى الله عليه وسلم: ((كل بدعة ضلالة)) (١) وقال صلى الله عليه وسلم: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) (٢). وقال صلى الله عليه وسلم في روايةٍ: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) (٣). وقال صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة)) (٤) وغير ذلك. فإن من قال: اللهم إني أسألك بجاه فلان، وهو ميت أو غائب، وإن كان يرى أنه لم يدع إلا الله ولم يعبد سواه فهو قد عبد الله بغير ما شرع وابتدع في الدين ما ليس منه واعتدى في دُعائه ودعا الله بغير ما أمره أن يدعوه به، فإن الله تعالى إنما أمرنا أن ندعوه بأسمائه الحسنى كما قال تعالى: وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:١٨٠] ولم يشرع لنا أن ندعوه بشيء من خلقه البتة، بل قد نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أن نقسم بشيء من المخلوقات مطلقاً فكيف بالإقسام بها على الله عز وجل. معارج القبول بشرح سلم الوصول لحافظ الحكمي – بتصرف – ٢/ ٦٥٠

ولهذا فإن الدعاء عند القبور وغيرها من الأماكن ينقسم إلى نوعين:

أحدهما: أن يحصل الدعاء في البقعة بحكم الاتفاق، لا لقصد الدعاء فيها، كمن يدعو الله في طريقه، ويتفق أن يمر بالقبور، أو كمن يزورها، فيسلم عليها، ويسأل الله العافية له وللموتى، كما جاءت به السنة، فهذا ونحوه لا بأس به.

الثاني: أن يتحرى الدعاء عندها، بحيث يستشعر أن الدعاء هناك أجوب منه في غيره، فهذا النوع منهي عنه، إما نهي تحريم أو تنزيه، وهو إلى التحريم أقرب، والفرق بين البابين ظاهر. فإن الرجل لو كان يدعو الله، واجتاز في ممره بصنم، أو صليب، أو كنيسة، أو كان يدعو في بقعة، وهناك صليب هو عنه ذاهل، أو دخل كنيسة ليبيت فيها مبيتاً جائزاً، ودعا الله في الليل، أو بات في بيت بعض أصدقائه ودعا الله، لم يكن بهذا بأس. اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية - ٢/ ٦٨٢


(١) رواه مسلم (٨٦٧) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
(٢) رواه البخاري (٢٦٩٥)، ومسلم (١٧١٨) (١٧). من حديث عائشة رضي الله عنها.
(٣) رواه مسلم (١٧١٨). ورواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم قبل حديث (٧٣٥٠) كتاب: الاعتصام، باب: إذا اجتهد العامل أو الحاكم فأخطأ. من حديث عائشة رضي الله عنها.
(٤) رواه أبو داود (٤٦٠٧)، والترمذي (٢٦٧٦)، وابن ماجه (٤٢)، وأحمد (٤/ ١٢٦) (١٧١٨٤). قال الترمذي: هذا حديث صحيح. قال الشوكاني في ((إرشاد الفحول)) (١/ ١٦٠)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)): صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>