[المبحث الثاني: مدى إدراك العقل للعلل والأوامر والأفعال وما فيها من حسن وقبح]
ذهب جمهور أهل العلم من السلف والخلف إلى أن لأوامر الله ومخلوقاته عللاً وحِكماً، فإنه لا يأمر إلا لحكمة، ولا يخلق إلا لحكمة. وبعض هذه الحِكم تعود إلى العباد، وبعضها يعود إلى الله تعالى، فما يعود إلى العباد هو ما فيه خيرهم وصلاحهم في العاجل والآجل، وما يعود إلى الله تعالى هو محبته أن يُعبد ويطاع ويتاب إليه ويُرجى ويُخاف منه ويتوكل عليه ويُجاهد في سبيله، قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: ٥٦]، وقال: أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى [القيامة: ٣٦] وقال: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ [الأنبياء: ١٠٧]، وقال: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ [المؤمنون: ١١٥]. والنصوص الدالة على أن لله حِكَماً في خلقه وأمره كثيرة وافرة، يصعب حصرها، والعقول البشرية تستطيع أن تدرك شيئاً من هذه الحكم. وذهب جمهور أهل العلم أيضاً إلى أن العقل يستطيع أن يدرك ما في الأفعال من حسن وقبح، فالعقول تدرك أن الظلم والكذب والسرقة وقتل النفوس قبيح، وأن العدل والصدق وإصلاح ذات البين وإنقاذ الغرقى حسن وجميل.) الإيمان بالقضاء والقدر لعمر بن سليمان الأشقر - ص٤٩