[المبحث السابع: أول من يحاسب من الناس]
يحاسب الله سبحانه وتعالى البشر في أسرع وقت كما ذكر, سبحانه لا يشغله شأن عن شأن, وقد اختلفت أقوال العلماء في ذكر أول من يحاسب في يوم القيامة من الجماعات أو الأفراد, هل هم الملائكة؟ أم هو اللوح المحفوظ؟ أم هم الأنبياء والرسل؟ أم أرباب الأموال والسعة؟ أم أنهم أول من تبارزوا في يوم بدر؛ علي بن أبي طالب, وحمزة, وعبيدة, وأقرانهم من المشركين؟ أم أن أول المحاسبين جاران من أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟ أم الزوج وزوجته؟.
كل ذلك قد قيل, ونوضح فيما يلي أدلة تلك الأقوال والجمع بينها:
- أما ما جاء من أنهم الملائكة: فهو ما روى ابن أنعم عن حبان بن أبي جيلة فيما يعزوه البرديسي قال: (أول من يدعى يوم القيامة إسرافيل, فيقول الله عز وجل ثناؤه: هل بلغت عهدي؟ فيقول: نعم يا رب, فيخلى عن إسرافيل, ويقول لجبريل: ما صنعت بعهدي؟ فيقول: بلغت الرسل, فتدعى الرسل فيقول: هل بلغكم جبريل عهدي؟ فيقولون: نعم فيخلى جبريل. ويقال للرسل: هل بلغتم عهدي؟ فيقولون: نعم قد بلغناه الأمم, فتدعى الأمم فيقال: هل بلغكم الرسل عهدي؟ فمكذب, ومصدق, فتقول الرسل: لنا عليكم شهداء, فيقول الله تبارك وتعالى وهو أعلم: من؟ فيقولون: أمة محمد صلى الله عليه وسلم, فيقال لهم: أتشهدون أن الرسل قد بلغت الأمم؟ فتقول الأمم: يا رب, كيف يشهد علينا من لم يدركنا؟ فيقول الله عز وجل: تشهدوا عليهم ولم تدركوهم؟ فيقولون: يا ربنا أرسلت إلينا رسولاً, وأنزلت علينا كتاباً, فقصصت علينا فيه أن قد بلغوا قولك) (١).
- وأما ما جاء من أول المحاسبين اللوح المحفوظ: فهو ماجاء عن سنان أنه قال: (اللوح المحفوظ معلق بالعرش, فإذا أراد الله أن يوحي بشئ كتب في اللوح المحفوظ, فيجيء اللوح حتى يقرع جبهة إسرافيل, فينظر فيه, فإن كان لأهل السماء دفعه إلى ميكائيل, وإن كان لأهل الأرض دفعه إلى جبريل.
فأول ما يحاسب يوم القيامة اللوح المحفوظ, يدعى به ترعد فرائصه, فيقال: هل بلغت؟ فيقول: نعم, فيقال: من يشهد لك؟ فيقول: إسرافيل، فيجاء بإسرافيل ترعد فرائصه, فيقال: هل بلغك اللوح؟ فإذا قال: نعم؛ قال اللوح: الحمد لله الذى نجاني من سوء الحساب, ثم كذلك).
وفى حديث وهب بن الورد أن ((إسرافيل عليه السلام يقول: بلغت جبريل, فيدعى جبريل عليه السلام ترعد فرائصه, فيقال: ما صنعت فيما بلغك إسرافيل؟ فيقول: بلغت الرسل، فيؤتى بالرسل فيقال: ما صنعتم فيما أدى إليكم جبريل؟ فيقولون: بلغنا الناس, فهو قوله تعالى: فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إليهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِين [الأعراف: ٦])) (٢).
وأما ما جاء من أن أول المحاسبين الأنبياء والرسل فقد قال البرديسي: (فيبدأ بالأنبياء عليهم الصلاة السلام, فيقول: ماذا أجبتم؟ قيل في تفسيرها: كانوا قد علموا ولكن ذهبت عقولهم, وغربت أفهامهم ونسوا من شدة الهول, وعظيم الخطب, وصعوبة الأمر، فقالوا: لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب, ثم يقويهم الله عز وجل فيدعى بنوح عليه الصلاة والسلام) (١)