للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثاني: الأدلة من السنة النبوية]

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فقال: يا أيها الناس: إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً، كتاب الله وسنتي)) (١).

وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: ((قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فوعظنا موعظة بليغة، وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون. فقيل: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعظتنا موعظة مودِّع، فاعهد إلينا بعهد. فقال: عليكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن عبداً حبشياً، وسترون بعدي اختلافاً شديداً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين. عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم والأمور المحدثات، فإن كل بدعة ضلالة)) (٢).

فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بوقوع الاختلاف وحصوله في أمته، فأوصى أصحابه رضوان الله عليهم – ويدخل في الخطاب كافة الأمة- بالتمسك بسنته، وسنة الخلفاء الراشدين عند وقوع الاختلاف.

فالتزام السنة هو الحل عند وقوع البدع، لذلك نرى من فقه الإمام مالك رحمه الله أنه ذكر حديث الاعتصام بالكتاب والسنة في باب النهي عن القول بالقدر.

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش، يقول صبحكم ومساكم، ويقول: بعثت أنا والساعة كهاتين، ويقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى، ويقول: أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة)) (٣).

يقول ابن حجر في أثناء كلامه على هذا الحديث: (وقد توسع من تأخر عن القرون الثلاثة الفاضلة في غالب الأمور التي أنكرها أئمة التابعين وأتباعهم، ولم يقتنعوا بذلك حتى مزجوا مسائل الديانة بكلام اليونان، وجعلوا كلام الفلاسفة أصلاً يردون إليه ما خالفه من الآثار بالتأويل، ولو كان مستكرهاً، ثم لم يكتفوا بذلك حتى زعموا أن الذي دونوه هو أشرف العلوم وأولاها بالتحصيل، وأن من لم يستعمل ما اصطلحوا عليه فهو عامي جاهل، فالسعيد من تمسك بما كان عليه السلف, واجتنب ما أحدثه الخلف) (٤).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((دعوني ما تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم سؤالهم, واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم)) (٥).


(١) رواه الحاكم (١/ ١٧١)، والبيهقي (١٠/ ١١٤) (٢٠١٢٣)، والمنذري في ((الترغيب والترهيب)) (١/ ٦١). قال الحاكم: سائر رواته متفق عليهم وهذا الحديث لخطبة النبي صلى الله عليه وسلم متفق على إخراجه في الصحيح ... وله شاهد، وقال ابن حزم في ((أصول الأحكام)) (٢/ ٢٥١)، والألباني في ((صحيح الترغيب والترهيب)): صحيح.
(٢) رواه أبو داود (٤٦٠٧) , والترمذي (٢٦٧٦) , وابن ماجه (٤٢)، وأحمد (٤/ ١٢٦) (١٧١٨٤). والحديث سكت عنه أبو داود, وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح, وقال ابن عبد البر في ((جامع بيان العلم وفضله)) (٢/ ١١٦٤): ثابت صحيح, وحسنه البغوي في ((شرح السنة)) (١/ ١٨١) , وصححه ابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (٢٠/ ٣٠٩) , وابن الملقن في ((البدر المنير)) (٩/ ٥٨٢) , والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)).
(٣) رواه مسلم (٨٦٧).
(٤) ((فتح الباري)) (١٣/ ٢٥٣).
(٥) رواه البخاري (٧٢٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>