للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستدل القرطبي بهذه الآية على أن صيغة افعل للوجوب في أصل وضعها، قال: (لأن الله تبارك وتعالى نفى خيرة المكلف عند سماع أمره وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم أطلق على من بقيت له خيرة عند صدور الأمر اسم المعصية، ثم علق على المعصية بذلك الضلال، فلزم حمل الأمر على الوجوب. والله أعلم) (١).

وقال الشيخ السعدي: (أي: لا ينبغي ولا يليق، من اتصف بالإيمان، إلا الإسراع في مرضاة الله ورسوله، والهرب من سخط الله ورسوله، وامتثال أمرهما، واجتناب نهيهما) (٢).

ونهى الله تعالى عباده المؤمنين أن يتقدموا بين يدي الله رسوله. فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الحجرات: ١].

وقد ذكر ابن كثير أقوالاً عن السلف الصالح في معنى قوله تعالى: لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. منها (٣): عن ابن عباس قال: (لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة) (٤). وعن الضحاك: (لا تقضوا أمراً دون الله ورسوله من شرائع دينكم) (٥). وقال سفيان الثوري: (لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. بقول ولا فعل) (٦).

وقال الشيخ السعدي في بيان ما يستنبط من الآية الكريمة: (هذا متضمن للأدب مع الله تعالى، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم والتعظيم والاحترام له، وإكرامه.

فأمر الله عباده المؤمنين، بما يقتضيه الإيمان بالله ورسوله، من امتثال أوامر الله، واجتناب نواهيه، وأن يكونوا ماشين خلف أوامر الله، متبعين لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع أمورهم. وأن لا يتقدموا بين يدي الله ورسوله، فلا يقولوا حتى يقول، ولا يأمروا حتى يأمر.

فإن هذا، حقيقة الأدب الواجب، مع الله ورسوله، وهو: عنوان سعادة العبد وفلاحه, وبفواته تفوته السعادة الأبدية، والنعيم السرمدي) (٧).


(١) ((الجامع لأحكام القرآن)) (١٤/ ١٨٨).
(٢) ((تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)) (٦/ ٢٢ - ٢٢٣).
(٣) ((تفسير القرآن العظيم)) (٤/ ٢٠٥).
(٤) رواه الطبري (٢٢/ ٢٧٢)، وابن أبي حاتم (ص: ٣٢٤٧).
(٥) رواه بنحوه الطبري (٢٢/ ٢٧٦).
(٦) ((تفسير ابن كثير)) (٧/ ٢٦٤).
(٧) ((تيسير الكريم الرحمن)) (٧/ ١٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>