للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثاني: ضوابط أهل السنة في مسألة اجتماع الإيمان وبعض شعب الكفر في الشخص الواحد]

لما قعد أهل السنة هذا الأصل، فإنهم اعتمدوا في ذلك التفصيل دون الإطلاق، ووضعوا ضوابط وشروطاً لهذه المسألة حتى تنحصر الأنواع في إطار شرعي متين. ولا تتميع المسألة حتى يخوض فيها من يشاء كيفما شاء ومن هذه الضوابط:

١ - الحديث عن الشعب وليس عن الأصل:

إذا قال أهل السنة إن الشخص قد يجتمع فيه إيمان وكفر، أو إيمان ونفاق، فليس مقصودهم أصل الكفر أو أصل النفاق، إنما المقصود شعبهما التي لا تضاد أصل الدين.

لهذا فصل ابن القيم – رحمه الله – معنى الشرك المذكور في قوله تعالى: وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ [يوسف: ١٠٦] أنه إن كان هذا الشرك يتضمن تكذيباً لرسل الله – عليهم السلام -، فإن الإيمان الذي معهم لا ينفعهم. أما إن كان متضمناً للتصديق برسل الله – عليهم السلام -، فإن الإيمان الذي معهم ينفعهم في عدم الخلود في النار دون دخولها (١).

كما أنه لما لم يفهم أحد مبتدعة العراق هذه المسألة، حاول أن يبرر ما عليه قومه من الشرك بعبادة غير الله من المقبورين والذبح لهم، حاول أن ينفي عنهم الشرك بهذا الأصل الذي أثر عن السلف، وهو أن اجتماع الإيمان وبعض شعب الكفر في الشخص الواحد لا يلزم منه كفر هذا الشخص.

فرد عليه الشيخ ابن سحمان بقوله: (وأما قوله – أي العراقي – (والمسلم قد يجتمع فيه الكفر والإسلام والشرك والإيمان، ولا يكفر كفراً ينقله عن الملة). فأقول – أي الشيخ ابن سحمان -: نعم، هذا فيما دون الشرك، والكفر الذي يخرج عن الملة) (٢). ثم سرد بعض الشعب الشركية والكفرية، وبين أنها هي التي قد تجتمع مع الإيمان في شخص واحد، ولا يخرج من الملة بذلك.

ومفهوم كلامه في الرد على العراقي أن ما كان شركاً أكبر، أو كفراً أكبر مما يخرج عن الملة لا يمكن أن يجتمع مع الإيمان الذي ينجو به العبد من الكفر في الدنيا، وينجو به من الخلود في النار يوم القيامة، فإنهما نقيضان، والنقيضان لا يجتمعان.

٢ - قيام شعبة من الكفر أو أكثر بالعبد لا يلزم منه كفره بالضرورة:

وذلك أن من ثبت له عقد الإسلام لا يحكم بكفره بمجرد صدور فعل كفري عنه حتى تثبت في حقه التكفير، كإثبات أن الفعل الكفري الذي صدر عنه يعتبر ناقضاً للإسلام بلا نزاع، كما أن هذا الحكم بالتكفير منوط بعدم وجود موانع في حق ذلك الشخص، سواء كانت جبلية أو مكتسبة.

أما ما لا يعتبر من الأعمال الكفرية ناقضاً للإسلام، فالأدلة تدل على إمكان اجتماعهما بالإيمان في الشخص الواحد دون أن يكون كافراً بذلك، وذلك ما كان من باب (كفر دون كفر).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: (قد يكون في الناس من معه شعبة من شعب الإيمان، وشعبة من شعب الكفر أو النفاق، ويسمى مسلماً كما نص عليه أحمد. وتمام هذا أن الإنسان قد يكون فيه شعبة من شعب الإيمان، وشعبة من شعب النفاق. وقد يكون مسلماً وفيه كفر دون الكفر الذي ينقل عن الإسلام بالكلية، كما قال ابن عباس وغيره: كفر دون كفر. وهذا قول عامة السلف، وهو الذي نص عليه أحمد وغيره قال في السارق والشارب ونحوهم ممن قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: إنه ليس بمؤمن (٣): إنهم يقال لهم مسلمون لا مؤمنون. واستدلوا بالقرآن والسنة على نفي اسم الإيمان مع إثبات اسم الإسلام، وبأن الرجل قد يكون مسلماً ومعه كفر لا ينقل عن الملة، بل كفر دون كفر) (٤).


(١) انظر: ((مدارج السالكين)) (١/ ٢٨٢).
(٢) ((الضياء الشارق في رد شبهات الماذق المارق)) (ص: ٣٧٦).
(٣) حديث نقص الإيمان رواه البخاري (٢٤٧٥)، ومسلم (٥٧). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٤) ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ٣٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>