للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الوجه الأول: التوسل إليه تعالى بذات وشخص المتوسل به.]

إن التوسل بذات وشخص المتوسل به إلى الله تعالى، عمل غير شرعي لأنه لم يأمر به الله، ولا بلغه رسوله صلى الله عليه وسلم. على أن التوسل بذات الشخص بدون متابعة للعمل الذي كان يعمله، فبلغ به المنزلة الطيبة عند الله، إنما هو عمل قد ذمه الله تعالى لما وصف توسل المشركين فقال حاكياً عنهم: أَلَا للهِ الدِّينُ الخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ [الزُّمر: ٣].

فالتوسل بالعبد الصالح من غير متابعة له في الأعمال الصالحة لا يجوز أن يكون وسيلة. فهذا التزلف بذوات الأشخاص رده الله سبحانه ولم يقبله. وإنه تعالى قد عاب عليهم في هذه الآية أمرين اثنين: عاب عليهم عبادة الأولياء من دونه، وعاب عليهم، محاولتهم القربى والزلفى إليه تعالى بالأشخاص والعباد المخلوقين. فكلا الأمرين في الآية، عيب وذنب. وكلاهما باطل وكذب وضلال وقال تعالى: وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الغُرُفَاتِ آَمِنُونَ [سبأ: ٣٧].

أي إن الذين يقربون عند الله درجات، ومنازل عظيمة والذين تضاعف لهم حسناتهم إنما تضاعف بأعمالهم لا بالجاهات ولا الوساطات.

قول ابن تيمية رحمه الله:

سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن رجلين تناظرا فقال أحدهما: لابد لنا من واسطة بيننا وبين الله فإنا لا نقدر أن نصل بغير ذلك: فأجاب رحمه الله:

(الحمد لله رب العالمين: إن أراد بذلك أنه لابد من واسطة يبلغنا أمر الله فهذا حق. فإن الخلق لا يعلمون ما يحبه الله ويرضاه، وما أمر به وما نهى عنه، وما أعده لأوليائه من كرامته، وما وعد به أعداءه من عذابه، ولا يعرفون ما يستحقه الله من أسمائه الحسنى، وصفاته العليا، التي تعجز العقول عن معرفتها وأمثال ذلك إلا بالرسل الذين أرسلهم الله تعالى إلى عباده. فالمؤمنون بالرسل المتبعون لهم هم المهتدون الذين يقربهم لديه زلفى، ويرفع درجاتهم، ويكرمهم في الدنيا والآخرة. وأما المخالفون للرسل، فإنهم ملعونون، وهم عن ربهم ضالون محجوبون).

ثم قال: (وإن أراد بالواسطة أنه لابد من واسطة في جلب المنافع، ودفع المضار، مثل أن يكون واسطة في رزق العباد، ونصرهم وهداهم، ويسألونه ذلك، ويرجعون إليه فيه فهو من أعظم الشرك الذي كفر الله به المشركين، حيث اتخذوا من دون الله أولياء شفعاء، يجتلبون بهم المنافع، ويدفعون بهم المضار). اهـ.

قول أبي حنيفة رحمه الله:

قال في الدر المختار: (وفي التتارخانية معزياً للمنتقى عن أبي يوسف عن أبي حنيفة: لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به. والدعاء المأذون فيه المأمور به: ما استفيد من قوله تعالى: وَللهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف: ١٨٠]) ...

<<  <  ج: ص:  >  >>