الإنجيل كلمة يونانية تعني الخبر الطيب (البشارة). والإنجيل عند المسلمين: هو الكتاب الذي أنزله الله تعالى على عيسى عليه السلام فيه هدى ونور، قال تعالى: وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ [المائدة: ٤٦]. وقد دعا المسيح عليه السلام بني إسرائيل للأخذ بالإنجيل والإيمان به، فقد جاء في إنجيل مرقص (١/ ١٤): (وبعدما أُسلم يوحنا جاء يسوع إلى الجليل يكرز ببشارة ملكوت الله، ويقول: قد كمل الزمان، واقترب ملكوت الله، فتوبوا وآمنوا بالإنجيل). وقد ذكر هذا الإنجيل أوائل النصارى، ودعوا إلى الإيمان به، وفي هذا يقول سفر (أعمال الرسل)(٨/ ٢٥) عن بطرس ويوحنا في دعوتهما للسامريين من اليهود: (وكما شهدا وتكلما بكلمة الرب رجعا إلى أورشليم، وبشَّرا بالإنجيل في قرى كثيرة للسامريين).
وذكره بولس أيضاً في رسائله، مثل قوله في رسالته الأولى إلى أهل تسالونيكي (٢/ ٢): (جاهرنا في إلهنا أن نكلمكم بإنجيل الله في جهاد كثير؛ لأن وعظنا ليس عن ضلال ولا عن دنس ولا بمكر، بل كما استحسنا من الله أن نؤتمن على الإنجيل هكذا نتكلم ... ثم يقول: ... فإنكم أيها الإخوة تذكرون تعبنا وكدنا إذ كنا نكرز لكم بإنجيل الله .. ). فإذاً الإنجيل كان كتاباً موجوداً ومعروفاً لدى النصارى الأوائل بأنه إنجيل الله أو إنجيل المسيح، إلا أن هذا الإنجيل لا نجده بين الأناجيل الموجودة بين يدي النصارى اليوم، فأين هو؟ على النصارى أن يجيبوا على هذا السؤال، أو يعترفوا بأنهم فقدوه في زمن مبكر من تاريخهم، ولعل هذا هو الأرجح؛ إذ يقول الله عز وجل: وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ [المائدة:١٤]. وقد صار عند النصارى بدل الإنجيل الواحد أربعة أناجيل، يجعلونها في مقدمة كتابهم العهد الجديد، ولا ينسبون أيًّا منها إلى المسيح عليه السلام، وإنما هي منسوبة إلى متى ومرقص ولوقا ويوحنا - الذي يزعم النصارى أن اثنين منهم من الحواريين وهما متى ويوحنا، والآخران أحدهما مرقص تلميذ بطرس، والآخر لوقا تلميذ بولس في زعمهم. وهذه الأناجيل تحوي شيئاً من تاريخ عيسى عليه السلام حيث ذُكِرَ فيها ولادته، ثم تنقلاته في الدعوة، ثم نهايته بصلبه وقيامته في زعمهم، ثم صعوده إلى السماء. كما تحتوي على مواعظ منسوبة إليه وخطب، ومجادلات مع اليهود، ومعجزات كان يظهرها للناس دليلاً على صدقه في أنه مرسل من الله، فهذه الأناجيل أشبه ما تكون بكتب السيرة، إلا أن بينها اختلافات ليست قليلة، وبعضها اختلافات جوهرية لا يمكن التوفيق بينها إلا بالتعسف كما سيتبين.
والقارئ لهذه الأناجيل الأربعة يستطيع بسهولة أن يدرك أن ما ورد فيها من دعوة وخطب ومواعظ ومجادلات تعود إلى مطلبين أساسيين، هما:
١ - الدعوة إلى التوبة والعمل بما جاء في الشريعة التي أنزلت على موسى عليه السلام.
٢ - التبشير بقرب قيام مملكة الله التي يتحقق فيها العدل والمساواة. دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية لسعود بن عبد العزيز الخلف - ص ١٩٩