للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الأصل السابع: في بيان الفرق بين ترك الصلاة وترك العمل]

يخلط بعض من يتكلم في موضوعنا بين مسألة ترك الصلاة، ومسألة ترك العمل، ولم يميز بينهما؛ إما لدخول الشبهة عليه، وإما للتشغيب على مخالفه، حتى تمنطق بعضهم مناقشاً مخالفه في محاورة من نسج خياله هذى بها أمام أصحابه قائلاً: نقول لهم: ما تقولون في رجل ترك الزكاة والصيام والحج لكنه يصلي، أيكفر؟ قال: فإن قالوا لا يكفر، قيل لهم: فما تقولون في رجل فعل جميع الأركان: الزكاة والصوم والحج إلا الصلاة، أيكفر؟ فإن قالوا: نعم، قيل لهم: إذاً المسألة مسألة ترك الصلاة، وهي مسألة خلافية، خالف فيها كثير من العلماء، فلماذا تنكرون على العلماء، وترمونهم بالإرجاء!!

وقد طار فرحاً هذا المتمنطق بهذا الخيال الذي ظن أنه مفحم لخصمه وناقض لمذهبه. فلقطع الطريق أمام كل مشغب، ولتجلية الموضوع لكل من اشتبه عليه الأمر أقول:

١ - (شعار المسلمين الصلاة؛ ولهذا يعبر عنها بها، فيقال: اختلف أهل الصلاة، واختلف أهل القبلة.

والمصنفون لمقالات المسلمين يقولون: مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين.

وفي الصحيح: ((من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا؛ فذلك المسلم له ما لنا، وعليه ما علينا)) (١).

وأمثال هذه النصوص كثيرة في الكتاب والسنة) (٢).

٢ - توافرت النصوص عن الصحابة في إكفار تارك الصلاة ولم ينقل عن أحدهم خلاف ذلك.

فعن أبي المليح الهذلي، قال: سمعت عمر رضي الله عنه على المنبر يقول: (لا إسلام لمن لم يصل) (٣).

وقال أيضاً رضي الله عنه: (لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة) (٤) بعد إفاقته لما طعن بمحضر من الصحابة، ولم ينكروه عليه.

وقال ابن مسعود رضي الله عنه: (من ترك الصلاة فلا دين له) (٥).

وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: (لا إيمان لمن لا صلاة له) (٦).

٣ - حكى جماعة من أهل العلم إجماع الصحابة على إكفار تارك الصلاة، فمن ذلك:

أ) قال مجاهد بن جبر: (قلت لجابر بن عبدالله رضي الله عنهما: ما كان يفرق بين الكفر والإيمان عندكم من الأعمال في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: الصلاة (٧).

وقوله (عندكم) أي عند الصحابة رضي الله عنهم.

ب) وقال عبدالله بن شقيق: (لم يكن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة) (٨).

وعبدالله بن شقيق روى (عن عمر وأبي ذر والكبار) قاله الذهبي في الكاشف (٩).


(١) رواه البخاري (٣٨٤) بلفظ: ((من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله فلا تحقروا الله في ذمته)). من حديث أنس رضي الله عنه.
(٢) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (٧/ ٦١٣).
(٣) رواه ابن نصر في ((تعظيم قدر الصلاة)) رقم (٩٣٠)، وابن سعد في ((الطبقات)) (٦/ ١٥٧).
(٤) رواه مالك في ((الموطأ)) (٢/ ٥٤)، وابن أبي شيبة في ((الإيمان)) برقم (١٠٣)، وابن نصر في ((تعظيم قدر الصلاة)) رقم (٩٢٥، ٩٢٧).
(٥) رواه ابن نصر في ((تعظيم قدر الصلاة)) برقم (٩٣٥).
(٦) رواه ابن نصر في ((تعظيم قدر الصلاة)) برقم (٩٤٥)، واللالكائي برقم (١٥٣٦). قال الألباني في ((صحيح الترغيب والترهيب)): صحيح موقوف. والحديث روي مرفوعاً عن غير واحد: فرواه العدني مرفوعاً في كتاب ((الإيمان)) (ص: ١٢٦)، من حديث أبي بكر بن حويطب. ورواه الربيع مرفوعاً في مسنده (ص: ٥٤)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(٧) رواه ابن نصر في ((تعظيم قدر الصلاة)) برقم (٨٩٢)، واللالكائي برقم (١٥٣٨)، والخلال في ((السنة)) (١٣٧٩).
(٨) رواه ابن أبي شيبة في ((الإيمان)) (١٣٧)، واللالكائي (١٥٣٨)، والخلال في ((السنة)) (١٣٧٩).
(٩) ((٢/ ٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>