للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ج) وقال الحسن البصري رحمه الله: (بلغني أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون: بين العبد وبين أن يشرك فيكفر؛ أن يدع الصلاة من غير عذر) (١).

والحسن تابعي كبير، قد أدرك كبار الصحابة، فقوله المذكور إن لم يكن سماعاً من كثير من الصحابة، فلا أقل من أن يكون حكاية عالم فقيه مطلع على الخلاف والإجماع، والعلماء يعتدون بمن هو أقل من الحسن في مثل هذا، والله أعلم.

د) وقال أيوب السختياني رحمه الله: (ترك الصلاة كفر لا يختلف فيه) (٢).

قلت: أيوب سيد الفقهاء والعلماء في زمانه، وهو إمام حافظ ثبت قد نقل الاتفاق على أن ترك الصلاة كفر، وهذا يدل على أن الخلاف في المسألة حادث بعد وفاته أو قبله بقليل، وقد كانت وفاته سنة (١٣١هـ) وسيأتي في كلام ابن نصر ما يشهد لهذا.

هـ) الإمام محمد بن نصر المروزي، قال رحمه الله: ( ... ثم ذكرنا الأخبار المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم في إكفار تاركها، وإخراجه إياه من الملة، وإباحة قتل من امتنع من إقامتها، ثم جاءنا عن الصحابة رضي الله عنهم مثل ذلك، ولم يجئنا عن أحد منهم خلاف ذلك، ثم اختلف أهل العلم بعد ذلك في تأويل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم عن الصحابة رضي الله عنهم في إكفار تاركها، وإيجاب القتل على من امتنع من إقامتها) (٣).

٤ - ظهر خلاف بعد الصحابة احتج له أصحابه بأدلة قيّمها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كلمة جامعة، قال فيها: (وأما الذين لم يكفروا بترك الصلاة ونحوها، فليست لهم حجة إلا وهي متناولة للجاحد كتناولها للتارك، فما كان جوابهم عن الجاحد، كان جواباً لهم عن التارك، مع أن النصوص علقت الكفر بالتوالي، - كما تقدم - وهذا مثل استدلالهم بالعمومات التي يحتج بها المرجئة؛ كقوله: ((من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ... أدخله الله الجنة)) (٤) ونحو ذلك من النصوص) (٥).

٥ - لا خلاف بين أهل السنة في أن الإيمان: اعتقاد وقول وعمل، وأن من لم يأت بهذه الثلاثة فليس مؤمناً: قال الإمام الشافعي – وهو في المشهور عنه لا يرى كفر تارك الصلاة -: (وكان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ومن أدركناهم، يقولون: إن الإيمان قول وعمل ونية لا يجزئ واحد من الثلاثة إلا بالآخر).

وقال إسحاق بن راهويه: (غلت المرجئة حتى صار من قولهم أن قوماً يقولون: من ترك الصلوات المكتوبات، وصوم رمضان والزكاة والحج وعامة الفرائض، من غير جحود لها إنا لا نكفره يرجأ أمره إلى الله بعد؛ إذا هو مقر، فهؤلاء الذين لا شك فيهم، يعني في أنهم مرجئة) (٦).

وقال – في تارك الصلاة -: (من ترك الصلاة متعمداً حتى ذهب وقتها، الظهر إلى المغرب، والمغرب إلى نصف الليل، فإنه كافر بالله العظيم، يستتاب ثلاثة أيام، فإن لم يرجع، وقال: تركها لا يكون كفراً ضربت عنقه - يعني: تاركها وقائل ذلك -، وأما إذا صلى وقال ذلك، فهذه مسألة اجتهاد) (٧). ا. هـ.

ففرق إسحاق – رحمه الله – بين المسألتين وجعل مسألة تكفير تارك الصلاة إذا كان يصلي مسألة اجتهادية مع قوله بكفره، بخلاف مسألة تارك العمل فقد جعل المخالف في تكفيره مرجئاً.

ومما تقدم يعلم أمران:


(١) رواه الخلال في ((السنة)) (١٣٧٢)، وابن بطة في ((الإبانة الكبرى)) (٨٧٧)،
(٢) رواه ابن نصر في ((تعظيم قدر الصلاة)) (٩٧٨).
(٣) ((تعظيم قدر الصلاة)) لابن نصر (٢/ ٩٢٥).
(٤) رواه البخاري (٣٤٣٥)، ومسلم (٢٨). من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه.
(٥) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (٧/ ٦١٣ - ٦١٤).
(٦) ((فتح الباري)) لابن رجب (١/ ٢١).
(٧) ((الإيمان)) لابن تيمية (ص: ٢٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>