للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفصل الرابع: حكم من مات من أطفال المشركين]

ومجمل القول في ذلك أن المسألة على ثلاثة أقوال:

القول الأول: أن أطفال المشركين في الجنة، واحتج لهذا بما احتجوا به في أطفال المسلمين.

أولا: أنهم على الفطرة، ((كل مولود يولد على الفطرة)) (١).

ثانيا: أنهم لم يفعلوا ما يؤاخذون به، ولم يفعلوا ما يعذبون به، فهم إذا على الفطرة القويمة السليمة، فاللائق بعدل الله -سبحانه وتعالى- أنهم من أصحاب الجنة.

ثالثا: احتجوا بالرواية التي وردت في حديث إبراهيم -عليه السلام- أنه رأى ذراري المشركين مع ذراري المؤمنين، ثم اختلف هؤلاء: فقال بعضهم: إن أطفال المشركين مثل أطفال المسلمين في الجنة. وبعضهم قال: إنهم في الجنة لكن ليسوا بمنزلة أطفال المؤمنين بل هم خدم في الجنة، واحتج أصحاب القول الأول القائلين بأن أطفال المشركين في الجنة بما رواه الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((النبي في الجنة، والشهيد في الجنة، والمولود في الجنة، والوئيد -أي: الموؤود- في الجنة)) (٢)، قالوا: جعل المولود مع الشهيد، ومع النبي، ومع الموؤود، فهذا المولود عام ذكرا كان أو أنثى من أب كافر أو مسلم فهو في الجنة.

والقول الثاني: ذهب إليه الخوارج وبعض أهل العلم، وقد استدل من ذهب من العلماء إلى هذا القول بأحاديث رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن لا يثبت ولا يصح منها شيء.

فأما الخوارج فإن كلمة المشركين عندهم ليست الكلمة التي نستخدمها، فهم يقولون: كل من ليس من الخوارج فأطفالهم في النار؛ لأن المسلمين عندهم مشركون، بل ذهب الحال ببعض الخوارج إلى أن قالوا: كل إنسان يبلغ سن البلوغ لا بد أن يمتحن فإن أقر بالإسلام والإيمان -كما يصفونه هم- وإلا فإنه كافر، والخوارج درجات أكثرهم غلواً الأزارقة أتباع نافع ابن الأزرق، ثم يليهم النجدات أتباع نجدة بن عامر الحنفي، ثم أخفهم الإباضية، ثم الميمونية وأشباههم وهم فرق كثيرة لا يعلمها إلا الله، كلهم ضلوا عن الحق.

واختلف نجدة ونافع بن الأزرق في هذه المسألة، قال نجدة: نعتبر الأطفال ومن كان في دار المشركين -دار الإسلام- منافقين ولا يجرم بكفرهم، ومن حجة الأزارقة ومن اتبعهم في هذه المسألة قول الله - تبارك وتعالى في سورة نوح إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا [نوح:٢٧] فقالوا: إن الآية صريحة في أن أولاد الكفار يولدوا على الكفر.

والجواب عن هذا الاستدلال من عدة أوجه:

أولاً: أن أطفال الكفار في الدنيا هم من الكفار ... ومنها أن نوحاً عليه السلام قد يأس من دعوة قومه حتى أن ربه عز وجل أوحى إليه أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن، فلذلك دعا عليهم عندما تيقن أو غلب ذلك على ظنه.

ثانياً: أنه قال: وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا أي: أن أولادهم سيتربون على الكفر فيصبحون كفاراً إذا كبروا.

وليس المراد أنه في حين ولادته يولد وهو فاجر كافر، إنما يولد على الفطرة كما ثبت ذلك في الأحاديث، ولكن هؤلاء القوم سيضلونهم، كما هو الحال فيمن ولد في بيئة شيوعية فإنه سيكون شيوعيا، فالتعبير عن الحال التي سيؤول إليه هذا الطفل إذا كبر في ظل هذه التربية وفي ظل هذا المجتمع.

القول الثالث وهو منسوب للإمام أحمد -رحمه الله تعالى-: وبعض السلف وهو: التوقف في الحكم على أطفال المشركين، فلا نقول: إنهم من أهل الجنة، ولا من أهل النار، وذلك لما يلي:


(١) رواه البخاري (١٣١٩)، ومسلم (٦٩٢٦). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢) رواه أحمد (٥/ ٥٨) (٢٠٦٠٢). من حديث حسناء ابنة معاوية الصريمية عن عمها. وضعفه الألباني في ((ضعيف الجامع)) (٥٩٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>