للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفرع الثاني: الأدلة من السنة على ذم التفرق والتحذير منه]

الحديث الأول:

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من فارق الجماعة شبراً فكأنما خلع ربقة الإسلام من عنقه)).

الحديث الثاني:

وعن الحارث الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((إن الله أمرني بالجماعة وأنه من خرج من الجماعة شبراً فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه)).

الحديث الثالث:

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ((من فارق الجماعة، فإنه يموت ميتة جاهلية)).

المقصود بمفارقة الجماعة هنا، الجماعة التي لها إمام منتصب، فلا يجوز الخروج على هذا الإمام ولا نكث بيعته، ويؤيد هذا أن هذه الأحاديث الثلاثة قد وردت بألفاظ أخرى متقاربة وفيها: ((من خرج من السلطان شبراً)) بدل ((من خرج من الجماعة شبراً)). والحديث مروي عن ابن عباس نفسه رضي الله عنه حيث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كره من أميره شيئاً فليصبر، فإنه من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية)).

وفي رواية عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر عليه، فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات إلا مات ميتة جاهلية)).

قال ابن حجر رحمه الله: (وقوله (شبراً) بكسر المعجمة وسكون الموحدة وهي كناية عن معصيته السلطان ومحاربته، قال ابن أبي جمرة: المراد بالمفارقة السعي في حل عقد البيعة التي حصلت لذلك الأمير ولو بأدنى شيء، فكنى عنها بمقدار الشبر، لأن الأخذ في ذلك يؤول إلى سفك الدماء بغير حق) (١).

إلى أن قال: (والمراد بالميتة الجاهلية وهي بكسر الميم حالة الموت كموت أهل الجاهلية على ضلال وليس له إمام مطاع، لأنهم كانوا لا يعرفون ذلك، وليس المراد أنه يموت كافراً بل يموت عاصياً) (٢).

وقال أيضاً: (في الحديث حجة في ترك الخروج على السلطان ولو جار وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه وأن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء، وحجتهم هذا الخبر وغيره مما يساعده، ولم يستثنوا من ذلك إلا إذا وقع من السلطان الكفر الصريح فلا تجوز طاعته في ذلك بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها) (٣).

الحديث الرابع:

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ((من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية، ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة – وفي رواية (ويغضب لعصبته ويقاتل لعصبته وينصر عصبته) فقتل فقتله جاهلية ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها لا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه)).

وهذا الحديث مثل الأحاديث السابقة في الدلالة.

قال النووي رحمه الله في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم: ((مات ميتة جاهلية)): (هي بكسر الميم أي على صفة موتهم من حيث هم فوضى لا إمام لهم) (٤). وقال أيضاً: (قوله صلى الله عليه وسلم: ((ومن قاتل تحت راية عمية)) هي بضم العين وكسرها لغتان مشهورتان والميم مكسورة مشددة والياء مشددة أيضاً، قالوا هي الأمر الأعمى لا يستبين وجهه كذا قاله أحمد بن حنبل والجمهور قال إسحاق بن راهويه هذا كتقاتل القوم للعصبية) (٥).


(١) ((فتح الباري)) (١٣/ ٦ - ٧).
(٢) ((فتح الباري)) (١٣/ ١٧).
(٣) ((فتح الباري)) (١٣/ ١٧).
(٤) ((صحيح مسلم بشرح النووي)) (١٢/ ٢٣٨).
(٥) ((صحيح مسلم بشرح النووي)) (١٢/ ٢٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>