للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تمهيد]

يعتقد أهل السنة والجماعة أن للصحبة شرفاً عظيماً، يمنح صاحبها ميزة خاصة، بل يرون أن فضيلة الصحبة لا يعدلها عمل، لمشاهدة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا لمن رآه، أما من اتفق له الذب عنه، والسبق إليه بالهجرة، أو النصرة، أو ضبط الشرع المتلقى عنه وتبليغه لمن بعده، فإنه لا يعدله أحد ممن يأتي بعده، لأنه ما من خصلة إلا والذي سبق بها له مثل أجر من عمل بها من بعده، فظهر بذلك فضلهم (١).

قال ابن عمر رضي الله عنه وهو يتحدث عن فضائل الصحابة: (فلمقام أحدهم ساعة خير من عمل أحدكم أربعين سنة) (٢).

وعن الإمام أحمد أنه قال: (فأدناهم صحبة هو أفضل من القرن الذين لم يروه ولو لقوا الله بجميع الأعمال) (٣).

وقال الإمام النووي: (وفضيلة الصحبة، ولو لحظة، لا يوازيها عمل، ولا تنال درجتها بشيء، والفضائل لا تؤخذ بالقياس، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء) (٤).

فمذهب أهل السنة والجماعة أن الله تعالى حين: أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [الصف: ٩] اختار لصحبته وتلقي الشريعة عنه قوماً هم أفضل هذه الأمة التي هي خير الأمم، فشرفهم بصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، وخصهم في الحياة الدنيا بشرف رؤيته والنظر إليه، وسماع حديثه، وقد بلغوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بعثه الله به من النور والهدى على أكمل الوجوه وأتمها، فكان لهم الأجر العظيم لصحبتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، والجهاد معه في سبيل الله، وأعمالهم الجليلة في نشر الإسلام، ولهم مثل أجور من بعدهم لأنهم الواسطة بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً.

ومعتقدهم في الصحابة (وسط بين طرفي الإفراط والتفريط، وسط بين المفرطين الغالين الذين يرفعون من يعظمون منهم إلى ما لا يليق إلا بالله أو برسله، وبين المفرطين الجافين الذين ينتقصونهم ويسبونهم، فهم وسط بين الغلاة والجفاة، يحبونهم جميعاً وينزلونهم منازلهم التي يستحقونها بالعدل والإنصاف، فلا يرفعونهم إلى ما لا يستحقون ولا يقصرون بهم عما يليق بهم، فألسنتهم رطبة بذكرهم الجميل اللائق بهم وقلوبهم عامرة بحبهم، وما صح فيما جرى بينهم من خلاف فهم فيه مجتهدون، إما مصيبون ولهم أجر الاجتهاد، وأجر الإصابة، وإما مخطئون ولهم أجر الاجتهاد وخطؤهم مغفور، وليسوا بمعصومين، بل هم بشر يصيبون ويخطئون، ولكن ما أكثر صوابهم بالنسبة لصواب غيرهم، وما أقل خطأهم، إذا نسب إلى خطأ غيرهم، ولهم من الله المغفرة والرضوان) (٥).

ولأهمية هذه المسألة فإن أهل السنة والجماعة يذكرون معتقدهم في الصحابة في كتب العقيدة، وكأنهم يجعلون منها علامة فارقة بينهم وبين غيرهم.


(١) ينظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (٨/ ٧).
(٢) رواه ابن ماجه (١٣٣)، وأحمد بن حنبل في ((فضائل الصحابة)) (١/ ٥٧)، وابن أبي شيبة (١٢/ ١٧٨)، وابن أبي عاصم في ((السنة)) (٣/ ٢٣) (٨٣٩) كلهم بلفظ: ((خير من عمل أحدكم عمره)). قال البوصيري في ((زوائد ابن ماجه)) (١/ ٢٤): هذا إسناد صحيح رجاله ثقات. والحديث حسنه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)).
(٣) ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة)) (١/ ١٦٠).
(٤) ((شرح النووي على صحيح مسلم)) (١٦/ ٩٣).
(٥) ((عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة)) – محاضرة للشيخ عبد المحسن العباد نشرت في مجلة الجامعة الإسلامية (ص: ٣٢ - ٣٣)، شوال ١٣٩١هـ العدد الثاني.

<<  <  ج: ص:  >  >>