للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تمهيد]

تنوعت عبارات علماء أهل السنة في التعبير عن أنواع التوحيد، ولكنها مع ذلك التنوع متفقة في المضمون، ولعل السبب في ذلك هو أن تلك التقسيمات مأخوذ من استقراء النصوص, ولم ينص عليها باللفظ مباشرة، ولذلك فمن العلماء (١) من قسم التوحيد إلى ثلاثة أقسام، هي:

١ - توحيد الربوبية ...

٢ - توحيد الأسماء والصفات ...

٣ - توحيد الألوهية ...

ومن المتأخرين من زاد قسماً رابعاً على الأقسام الثلاثة السابقة وسماه:

٤ - توحيد الأتباع أو توحيد الحاكمية (أي التحاكم إلى الكتاب والسنة)، ولكن يلاحظ على من ذكر هذا القسم أن هذا القسم في الحقيقة داخل ضمن توحيد الألوهية؛ لأن العبادة لا تقبل شرعاً إلا بشرطين هما:

١ - الإخلاص.

٢ - الإتباع.

كما قال تعالى: فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف: ١١٠].

ومن العلماء من قسم التوحيد إلى قسمين، وهذا هو الأغلب في كلام أهل العلم المتقدمين لأنهم يجمعون بين توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، وذلك بالنظر إلى أنهما يشكلان بمجموعهما جانب العلم بالله ومعرفته عز وجل، فجمعوا بينهما لذلك، بينما توحيد الألوهية يشكل جانب العمل لله.

وتقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام راجع إلى اعتبار متعلق التوحيد، وتقسيمه إلى قسمين راجع إلى اعتبار ما يجب على الموحد.

فمن العلماء من يقول: التوحيد قسمان (٢):

القسم الأول: توحيد المعرفة والإثبات:

ويريد به توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات وسمي بتوحيد المعرفة؛ لأن معرفة الله عز وجل إنما تكون بمعرفة أسمائه, وصفاته, وأفعاله.

والإثبات: أي إثبات ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات والأفعال.

القسم الثاني: توحيد القصد والطلب:

ويراد به الألوهية، وسمي بتوحيد القصد والطلب, لأن العبد يتوجه بقلبه ولسانه وجوارحه بالعبادة لله وحده رغبة ورهبة، ويقصد بذلك وجه الله, وابتغاء مرضاته.

ومن العلماء من يقسم التوحيد إلى قسمين هما (٣):

القسم الأول: التوحيد العلمي الخبري:

والمقصود به توحيد الربوبية, وتوحيد الأسماء والصفات.

وسمي بالتوحيد العلمي: لأنه يعتني بجانب معرفة الله، فالعلمي أي (العلم بالله).

والخبري: لأنه يتوقف على الخبر أي: (الكتاب والسنة).

القسم الثاني: التوحيد الإرادي الطلبي:

والمقصود به توحيد الألوهية، وسمي بالتوحيد الإرادي لأن العبد له في العبادات إرادة، فهو إما أن يقوم بتلك العبادة أو لا يقوم بها، وسمي بالطلبي؛ لأن العبد يطلب بتلك العبادات وجه الله ويقصده عز وجل بذلك.

ومن العلماء من يقسم التوحيد إلى قسمين فيقول (٤):

القسم الأول: التوحيد القولي:

والمراد به توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، وسمي بالقولي لأنه في مقابل توحيد الألوهية الذي يشكل الجانب العلمي من التوحيد، وأما هذا الجانب فهو مختص بالجانب القولي العلمي.

القسم الثاني: التوحيد العملي:

والمراد به توحيد الألوهية، وسمي بالعملي؛ لأنه يشمل كلاً من عمل القلب, وعمل اللسان, وعمل الجوارح التي تشكل بمجموعها جانب العمل من التوحيد، فالتوحيد له جانبان: جانب تصديقي علمي، وجانب انقيادي عملي.

ومن العلماء من يقسم التوحيد إلى قسمين فيقول:

القسم الأول: توحيد السيادة:

ويُعنَى بذلك توحيد الربوبية, وتوحيد الأسماء والصفات، وسمي بذلك لأن تفرد الله بأفعاله وأسمائه وصفاته يوجب له السيادة المطلقة, والتصرف التام في هذا الكون خلقاً, ورزقاً, وإحياء, وإماتة, وتصرفاً وتدبيراً، سبحانه وتعالى. فمن واجب الموحد أن يفرد الله بذلك.

والقسم الثاني: توحيد العبادة:

المراد به توحيد الألوهية، وتسميته بذلك واضحة لا تحتاج إلى مزيد تفصيل. معتقد أهل السنة والجماعة في توحيد الأسماء والصفات لمحمد بن خليفة التميمي –بتصرف- ص: ٣٧


(١) انظر: ((طريق الهجرتين)) (ص:٣٠)، و ((شرح الطحاوية)) (ص:٧٦)، و ((لوامع الأنوار)) للسفاريني (١/ ١٢٨)، و ((تيسير العزيز الحميد)) (ص: ١٧ - ١٩).
(٢) ممن ذكر ذلك ابن القيم في كتابه ((مدارج السالكين)) (٣/ ٤٤٩).
(٣) ممن ذكر ذلك ابن القيم في كتابه ((مدارج السالكين)) (٣/ ٤٥٠)، وابن تيمية في ((الصفدية)) (٢/ ٢٢٨).
(٤) ممن ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية: انظر: ((مجموع الفتاوى)) (١/ ٣٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>