للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثاني: حكمه]

من المعلوم أن هذا الشرك أعظم ما نهى الله عنه، قال تعالى: وَاعْبُدُواْ اللهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا [النساء: ٣٦]، فقرن النهي عنه بأعظم أمر أمر به وهو عبادته، التي من أجلها خلق الخلق كما قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: ٥٦].

وهو أول المحرمات كما يدل عليه قوله تعالى: قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الأنعام: ١٥١].

فهذا الشرك الأكبر مخرج عن الملة, وصاحبه حلال الدم والمال، وفي الآخرة خالد مخلد في النار، قال تعالى: فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ [التوبة: ٥].

وقال تعالى: إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء [النساء: ٤٨].

وقال تعالى: إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة: ٧٢].

كما أن هذا الشرك يحبط العمل، قال تعالى: وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [الأنعام: ٨٨]، وقال تعالى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر: ٦٥].

كما أنه تحرم ذبيحة مرتكبه، لقوله تعالى: وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ [الأنعام: ١٢١].

وصاحب هذا الشرك لا يرث ولا يورث، بل ماله لبيت المال، ولا يصلى عليه, ولا يدفن في مقابر المسلمين، وذلك أن المشرك قد ارتكب أعظم جريمة، وأفظع ظلم، قال تعالى: وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا [النساء: ٤٨].

وقد جاء في الحديث الذي رواه ابن مسعود – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من مات وهو يدعو من دون الله نداً دخل النار)) (١)، وفي رواية عنه: ((من مات يجعل لله نداً أدخل النار ... )) (٢).

وكما جاء عن جابر – رضي الله عنه -: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار)) (٣).

وكما جاء عن ابن مسعود أيضاً قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من مات يشرك بالله شيئاً دخل النار ... )) (٤) الحديث.

وفي حديث أبي هريرة قال: زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، فقال: ((استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يأذن لي)) (٥).

وفي حديث ابن عمر قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن أبي كان يصل الرحم، وكان ... ، فأين هو؟ قال: ((في النار) قال: فكأنه وجد من ذلك، فقال: يا رسول الله! فأين أبوك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((حيثما مررت بقبر مشرك، فبشره بالنار)). قال: فأسلم الأعرابي بعد، وقال: لقد كلفني رسول الله صلى الله عليه وسلم تبعاً، ما مررت بقبر كافر إلا بشرته بالنار (٦).


(١) رواه البخاري (٤٤٩٧).
(٢) رواه البخاري (٦٦٨٣).
(٣) رواه مسلم (٩٣).
(٤) رواه البخاري (١٢٣٨)، ومسلم (٩٢).
(٥) رواه مسلم (٩٧٦).
(٦) رواه ابن ماجه (١٥٧٣). قال البوصيري في ((زوائد ابن ماجه)) (١/ ٢٤١): هذا إسناد صحيح رجاله ثقات محمد بن إسماعيل وثقه ابن حبان والدارقطني والذهبي وباقي رجال الإسناد على شرط الشيخين، وصححه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)).

<<  <  ج: ص:  >  >>