للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثاني: الأدلة على بطلان مذهب التفويض]

- تواتر الآيات والأحاديث على إثبات صفة معينة وذلك بأساليب متعددة، ودلالات متعاضدة، يؤكد أن هذا الظاهر هو المطلوب فهمه، فصرف العقول والقلوب عن إدراك هذا المعنى – والذي احتشدت النصوص لتأكيده – هو غاية في الاستبلاه.

- لقد فسر أئمة السلف كثيراً من آيات الصفات كقولهم في الاستواء إنه: العلو, والاستقرار, والارتفاع (١)، مما يدل على أنهم فهموا معناها.

- قول عبد الله بن المبارك وقد سئل: كيف نعرف ربنا؟ فقال: (نعرف ربنا: فوق سبع سموات على العرش استوى، بائن من خلقه)، وفي رواية، قال: (على السماء السابعة على عرشه) (٢) وهذا الذي قاله هو مقتضى النصوص، وهو الذي فهمه منها.

- تفريق السلف بين إدراك المعنى وإدراك الكيف: وقد تقدم كلام الإمام مالك رحمه الله في ذلك، وقال الذهبي عقب كلام مالك رحمه الله: (وهو قول أهل السنة قاطبة: أن كيفية الاستواء لا نعقلها، بل نجهلها، وأن استواءه معلوم كما أخبر في كتابه، وأنه كما يليق به) (٣).

- يلزم من مذهب التفويض لوازم باطلة، منها:

أ- القدح في الرب جل وعلا, وفي القرآن الكريم, وفي الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك بأن يكون الله تعالى أنزل كلاماً لا يفهم، وأمر بتدبر ما لا يتدبر، وبعقل مالا يعقل، وأن يكون القرآن الذي هو النور المبين والذكر الكريم سبباً لأنواع الاختلافات والضلالات، بل يكون بينهم وكأنه بغير لغتهم، وأن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبلغ البلاغ المبين، ولا بين للناس ما نزل إليهم، وبهذا تكون قد فسدت الرسالة، وبطلت الحجة، وهو الذي لم يتجرأ عليه صناديد الكفر (٤).

ب- أن يتسلط المتأولة على المفوضة فينسبون هذه الطريقة إلى السلف، فيكون السلف من الصحابة وخيار التابعين بمنزلة الأميين الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني، شغلهم الجهاد وفتح البلاد عن التدبر في كلام الله تعالى وعقله وفهمه، فقال المتأخرون قولتهم المشئومة: طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم، بل طريقة السلف أسلم وأعلم وأحكم، وما أمتاز عنهم المتأخرون إلا بالتكلف والاشتغال بالأطراف التي كانت همة القوم مراعاة أصولها وضبط قواعدها، وشد معاقدها، وهممهم مشمرة إلى المطالب العالية في كل شيء فالمتأخرون في شأن، والقوم في شأن آخر، وقد جعل الله لكل شيء قدراً (٥).

ج- استطالة نفاة المعاد – وغيرهم من الملاحدة – على المفوضة فيقول الواحد منهم: الحق في نفس الأمر ما علمته برأيي وعقلي، وليس في النصوص ما يناقض ذلك، لأن تلك النصوص مشكلة ومتشابهة لا يعلم أحد معناها، وما لا يعلم معناه لا يجوز الاستدلال به، فيبقى هذا المذهب (التفويض) سداً لباب الهدى والبيان من جهة الأنبياء، وفتحاً لباب من يعارضهم من أهل الضلالات من الفلاسفة, والملاحدة الباطنية، وأصحاب الأذواق والمواجيد والتأويلات الشنيعة (٦). منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد لعثمان بن علي بن حسن -بتصرف – ٢/ ٥٩٣

(ينظر الفصل الخامس، من الباب الثالث، في الكتاب الثاني من الموسوعة)


(١) انظر: ((تفسير الطبري)) (١/ ١٩١، ١٩٢)، و ((تفسير البغوي)) (٢/ ١٩٦).
(٢) رواه البيهقي في ((الأسماء والصفات)) (ص: ٤٢٧)، وعبد الله بن أحمد في ((السنة)) (ص: ٧ - ٣٥ - ٧٢) والدارمي في ((الرد على المريسي)) (ص: ٢٤)، والذهبي في ((العلو)) وصححه. انظر: ((مختصر العلو)) (ص: ١٥١) برقم: ١٥٠ وابن القيم في ((الجيوش الإسلامية)) (ص: ٤٤) وصححه، وفي (ص: ٨٤) وقال: (وقد صح عنه صحة قريبة من التواتر .... ) ثم ذكر الحديث. وصححه الألباني في ((مختصر العلو)) (ص: ١٥١).
(٣) ((العلو)) للذهبي (ص: ٨٢).
(٤) انظر: ((درء تعارض العقل والنقل)) (١/ ٢٠٤).
(٥) انظر: ((شرح الطحاوية)) (ص: ١٢).
(٦) انظر: ((درء تعارض العقل والنقل)) (١/ ٢٠٢، ٢٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>