للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثالث: دلالة الآيات الكونية]

- دليل الخلق والحدوث

كل حادث لا بد له من محدث ولا محدث للحوادث إلا الله عز وجل، والحقيقة أن دلالة الحوادث على المحدث دلالة حسية عقلية:

أما كونها حسية: فلأنها مشاهدة بالحس.

وأما كونها عقلية: فلأن العقل يدل على أن كل حادثٍ لا بد له من محدث.

ولهذا سئل أعرابي: بم عرفت ربك؟ فقال: الأثر يدل على المسير، والبَعْرَة تدل على البعير، فسماء ذات أبراجٍ وأرض ٌ ذات فجاج وبحارٌ ذات أمواج ألا تدل على السميع البصير؟ الجواب: بلى، هذا أعرابي استدل على أن هذه الحوادث العظيمة تدل على خالقٍ عظيم عز وجل، هو السميع البصير، فالحوادث دليل على وجود المحدث، ثم كل حادثٍ منها يدل على صفةٍ مناسبةٍ غير الوجود، فنزول المطر يدل لا شك على وجود الخالق ويدل على رحمته وهذه دلالةٌ غير الدلالة على الوجود، وجود الجدب والخوف والحروب تدل على وجود الخالق وتدل على غضب الله عز وجل وانتقامه، فكل حادثٍ فله دلالتان:

دلالةٌ كلية عامة: تشترك فيها جميع الحوادث وهي وجود الخالق وجود المحدث.

ودلالةٌ خاصة: في كل حادثٍ بما يختص به كدلالة الغيث على الرحمة ودلالة الجدب على الغضب وهكذا.

وهناك دلالة أخرى: النوازل التي تنزل لسبب دالة على وجود الخالق، مثل: دعاء الله عز وجل ثم استجابته للدعاء دليل على وجوده، وهذه وإن كانت من باب دلالة الحادث على المحدث لكنها أخص، لما دعا النبي صلى الله عليه وسلم الله أن يغيث الخلق قال: ((اللهم أغثنا اللهم أغثنا)) ثم نشأ السحاب وأمطر قبل أن ينزل من المنبر، هذا حديث أنس (١) يدل على وجود الخالق وهذا أخص من دلالة العموم شرح العقيدة السفارينية لمحمد بن صالح بن عثيمين - ص٤٥

ومن أمثلة الآيات القرآنية التي تتحدث عن الدلائل الكونية المتعلقة بالخلق والتكوين قوله –تعالى -: وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [فصلت: ٣٧] وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ [الروم: ٢٠] وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ [الروم: ٢٢ - ٢٥]، فهذه الآيات كونية وإن شئت، فقل: كونية قدرية، وكانت آية لله، لأنه لا يستطيع الخلق أن يفعلوها، فمثلاً: لا يستطيع أحد أن يخلق مثل الشمس والقمر، ولا يستطيع أن يأتي بالليل إذا جاء النهار، ولا بالنهار إذا جاء الليل، فهذه الآيات كونية شرح العقيدة الواسطية لمحمد بن صالح بن عثيمين - ١/ ١٢٤


(١) رواه البخاري (٩٣٣)، ومسلم (٨٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>