للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أولاً: تعريف الشرك في الربوبية

هو اعتقاد متصرف مع الله عز وجل في أي شيء من تدبير الكون، من إيجاد أو إعدام، أو إحياء أو إماتة، جلب خير أو دفع شر، أو غير ذلك من معاني الربوبية، أو اعتقاد منازع له في شيء من مقتضيات أسمائه وصفاته كعلم الغيب وكالعظمة والكبرياء ونحو ذلك وقال الله تعالى: مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ [فاطر: ٢ - ٣] الآيات، وقال تعالى: وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ [يونس: ١٠٧] الآية، وقال تعالى: قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ [الزمر: ٣٨].

وقال تبارك وتعالى: وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ [الأنعام: ٥٩] الآيات، وقال تعالى: قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل: ٦٥] الآية، وقال تعالى: وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء [البقرة: ٢٥٥] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يقول الله تعالى: العظمة إزاري، الكبرياء ردائي، فمن نازعني واحداً منهما أسكنته ناري)) (١) وهو في الصحيح (٢). أعلام السنة المنشورة لاعتقاد الطائفة الناجية المنصورة لحافظ بن أحمد الحكمي- ص: ٣٠

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: ( ... إن الرب سبحانه هو الملك المدبر، المعطي المانع، الضار النافع، الخافض الرافع، المعز المذل، فمن شهد أن المعطي أو المانع، أو الضار أو النافع, أو المعز أو المذل غيره، فقد أشرك بربوبيته) (٣).

وقال في موضع آخر: (فأما الأول - الشرك في الربوبية - فهو إثبات فاعل مستقل غير الله، كمن يجعل الحيوان مستقلاً بإحداث فعله، ويجعل الكواكب، أو الأجسام الطبيعية، أو العقول, أو النفوس، أو الملائكة، أو غير ذلك مستقلاً بشيء من الأحداث، فهؤلاء حقيقة قولهم: تعطيل الحوادث عن الفاعل ... ) (٤).

أو بعبارة مختصرة يقال: من أشرك مع الله غيره في خصائص الربوبية أو أنكر شيئاً منها، أو شبهه بغيره، أو شبه غيره به، يعد مشركاً بالله، سواء كان في ذاته, أو أفعاله, أو أوصافه.

وهذا الشرك ينقسم إلى كبير وأكبر، وليس شيء منه مغفوراً (٥). الشرك في القديم والحديث لأبي بكر محمد زكريا- ١/ ١٤١


(١) رواه أبو داود (٤٠٩٠)، وابن ماجه (٣٣٨٣)، وأحمد (٢/ ٣٧٦) (٨٨٨١)، وابن حبان (٢/ ٣٥) (٣٢٨). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. والحديث سكت عنه أبو داود، وقال محمد جار الله في ((النوافح العطرة)) (٢٢٢)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): صحيح.
(٢) رواه مسلم (٢٦٢٠). من حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما.
(٣) ابن تيمية: ((مجموع الفتاوى)) (١/ ٩٢).
(٤) ابن تيمية: ((درء تعارض العقل والنقل)) (٧/ ٣٩٠).
(٥) انظر ما ذكره ابن القيم في ((الجواب الكافي)) (ص: ٣٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>