للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثاني: إطلاقات العبادة]

للعبادة معان بحسب ما تتعلق به، وبحسب كونها مصدراً أو اسماً، وبحسب المتوجه بها إليه، وبحسب ما يلاحظ فيها من حق، فهذه أربعة إطلاقات:

الإطلاق الأول: إطلاقات العبادة بحسب ما تتعلق به:

فالعبادة من حيث تعلقها بعموم الخلق وخصوصهم تنقسم إلى عبادة عامة كونية وإلى خاصة شرعية (١).

فالعبادة العامة: هي عبادة القهر والملك وهي تشمل أهل السموات والأرض كلهم مؤمنهم وكافرهم، فالجميع عبيد مربوبون لله قال الله تعالى: وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا [مريم: ٨٨ - ٩٣] وقد ذكر ابن القيم أن هذا النوع يأتي على خمسة أوجه وهي:

١ - إما منكراً كما في الآية المذكورة سابقاً.

٢ - أو معرفاً باللام، كقوله تعالى: وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ [غافر: ٣١].

٣ - أو مقيداً بإشارة أو نحوها، كقوله تعالى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاء أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ [الفرقان: ١٧].

٤ - أو أن يذكروا في عموم عباده فيندرجوا مع أهل طاعته في الذكر، كقوله تعالى: أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [الزمر: ٤٦].

٥ - أن يذكروا موصوفين بفعلهم كقوله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ [الزمر: ٥٣].

وهذا المثال المذكور في الوجه الخامس لا يسلم من اعتراض كما قال ابن القيم نفسه: (وقد قال: إنما سماهم عباده إذا لم يقنطوا من رحمته وأنابوا إليه واتبعوا أحسن ما أنزل إليهم من ربهم فيكونون من عبيد الإلهية والطاعة) (٢) اهـ.

وأما العبادة الخاصة الشرعية، فهي عبادة الطاعة والخضوع والذل والمحبة الاختيارية، وهي خاصة لمن وفقه الله من المكلفين من الأنبياء والمرسلين وعامة المؤمنين بهم.

ومن الآيات الواردة فيها قول الله تعالى: يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ [الزخرف: ٦٨] وقوله: فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ [الزمر: ١٧ - ١٨] والآيات في هذا المعنى كثيرة.

الإطلاق الثاني: إطلاقات العبادة بحسب الاسمية والمصدرية:

فالعبادة باعتبارها مصدراً تعني التعبد، وهو فعل العابد وتعريفها: (التذلل لله محبة وتعظيماً بفعل أوامره واجتناب نواهيه على الوجه الذي جاءت به شرائعه) (٣) اهـ.

وأما باعتبارها اسماً، فهي تعني: المتعبد (٤) به وتعريفها: (اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة) (٥).

ومن التعريف المذكور في معنى العبادة باعتبارها اسماً يتضح أن للعبادة أربع مراتب وهي: قول القلب، وقول اللسان، وعمل القلب، وعمل الجوارح، وهذا معنى قوله: (من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة) وقد فصل ابن القيم هذه المراتب فقال:


(١) انظر: ((مدارج السالكين)) (١/ ١٢٥).
(٢) ((مدارج السالكين)) (١/ ١٢٧).
(٣) هذا التعريف لابن عثيمين في ((المجموع الثمين)) من فتاويه (٢/ ٢٥).
(٤) انظر: ((تقريب التدميرية)) لابن عثيمين (ص: ١٢٩).
(٥) هذا التعريف لشيخ الإسلام ابن تيمية في ((رسالة العبودية ضمن مجموعة التوحيد)) (٢/ ٤٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>