للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثالث: سب الأنبياء]

يقول القاضي عياض: من استخف بمحمد صلى الله عليه وسلم، أو بأحد من الأنبياء، أو أزرى عليهم، أو آذاهم فهو كافر بالإجماع (١).

ويقول أيضاً: وحكم من سبّ سائر أنبياء الله تعالى ... واستخفّ بهم أو كذّبهم فيما آتوا به، وأنكرهم وجحدهم حكم نبينا صلى الله عليه وسلم.

قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا [النساء:١٥٠، ١٥١]، وقال تعالى: كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ [البقرة:٢٨٥] (٢).

ولقد بيّن ابن تيمية حكم هذه المسألة بياناً شافياً حيث قال: والحكم في سب سائر الأنبياء كالحكم في سب نبينا، فمن سب نبياً مسمى باسمه من الأنبياء المعروفين المذكورين في القرآن أو موصوفاً بالنبوة - مثل أن يذكر في حديث: أن نبياً فعل كذا وقال كذا، فيسبّ ذلك القائل أو الفاعل، مع العلم بأنه نبي، وإن لم يعلم من هو، أو يسبّ نوع الأنبياء على الإطلاق - فالحكم في هذا كما تقدم (في مسألة حكم من سبّ النبي صلى الله عليه وسلم)؛ لأن الإيمان بهم واجب عموماً، وواجب الإيمان خصوصاً بمن قصّه الله علينا في كتابه، وسبّهم كفر وردة إن كان من مسلم، ومحاربة إن كان من ذمي.

وقد تقدم في الأدلة الماضية (وهي الأدلة على أن ساب النبي صلى الله عليه وسلم كافر) ما يدل على ذلك بعمومه لفظاً أو معنى، وما أعلم أحداً فرّق بينهما، وما كان أكثر كلام الفقهاء إنما فيه ذكر من سبّ نبينا، فإنما ذلك لمسيس الحاجة إليه، وأنه وجب التصديق له، والطاعة له جملة وتفصيلاً، ولا ريب أن جرم سابه أعظم من جرم ساب غيره، كما أن حرمته أعظم من حرمة غيره، وإن شاركه سائر إخوانه من النبيين والمرسلين في أن سابهم كافر حلال الدم.

فأما إن سبّ نبياً غير معتقد لنبوته فإنه يستتاب من ذلك، إذا كان ممن علمت نبوته بالكتاب والسنة؛ لأن هذا جحد لنبوته، إن كان ممن يجهل أنه نبي، فإنه سبّ محض، فلا يقبل قوله: إني لم أعلم أنه نبي (٣).

ويحكي ابن تيمية الإجماع على كفر ساب نبي من الأنبياء فيقول: من خصائص الأنبياء أن من سب نبياً من الأنبياء قتل باتفاق الأئمة، وكان مرتداً، كما أن من كفر به وبما جاء به كان مرتداً، فإن الإيمان لا يتم إلا بالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله (٤).

ويقول أيضاً: والمسلمون آمنوا بالأنبياء كلهم ولم يفرقوا بين أحد منهم، فإن الإيمان بجميع النبيين فرض واجب، ومن كفر بواحد منهم فقد كفر بهم كلهم، ومن سبّ نبياً من الأنبياء فهو كافر يجب قتله باتفاق العلماء (٥).


(١) ((الشفا)) (٢/ ١٠٦٩).
(٢) ((الشفا)) (٢/ ١٠٩٧) بتصرف.
(٣) ((الصارم المسلول)) (ص: ٥٦٥).
(٤) ((الصفدية)) (١/ ٢٦١).
(٥) ((الصفدية)) (٢/ ٣١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>