للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب السابع عشر: تقارب الزمن]

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تقوم الساعة حتى .. يتقارب الزمان)) (١).

وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان فتكون السنة كالشهر، ويكون الشهر كالجمعة، وتكون الجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالساعة، وتكون الساعة كاحتراق السعفة)) (٢). وللعلماء أقوال في المراد بتقارب الزمان منها:

١ - أن المراد بذلك قلة البركة في الزمان (٣).

قال ابن حجر: (وقد وجد في زماننا هذا, فإننا نجد من سرعة مر الأيام ما لم يكن نجده في العصر الذي قبل عصرنا هذا) (٤).

٢ - أن المراد بذلك هو ما يكون في زمان المهدي وعيسى عليه السلام من استلذاذ الناس للعيش وتوفر الأمن وغلبة العدل وذلك أن الناس يستقصرون أيام الرخاء وأن طالت, وتطول عليهم مدة الشدة وأن قصرت (٥).

٣ - أن المراد تقارب أحوال أهله في قلة الدين حتى لا يكون منهم من يأمر بمعروف وينهى عن منكر لغلبة الفسق وظهور أهله وذلك عند ترك طلب العلم خاصة والرضى بالجهل, وذلك لأن الناس لا يتساوون في العلم, فدرجات العلم تتفاوت كما قال تعالى: وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (٦) [يوسف: ٧٦] وإنما يتساوون إذا كانوا جهالاً.

٤ - أن المراد تقارب أهل الزمان بسبب توفر وسائل الاتصالات والمراكب الأرضية والجوية السريعة التي قربت البعيد (٧).

٥ - أن المراد بذلك هو قصر الزمان وسرعته سرعة حقيقية وذلك في آخر الزمان, وهذا لم يقع إلى الآن ويؤيد ذلك ما جاء أن أيام الدجال تطول حتى يكون اليوم كالسنة وكالشهر وكالجمعة في الطول، فكما أن الأيام تطول فإنها تقصر (٨) وذلك لاختلال نظام العالم وقرب زوال الدنيا.

قال ابن أبي جمرة: يحتمل أن يكون المراد بتقارب الزمان قصره على ما وقع في حديث ((لا تقوم الساعة حتى تكون السنة كالشهر)) وعلى هذا فالقصر يحتمل أن يكون حسياً ويحتمل أن يكون معنوياً، أما الحسي فلم يظهر بعد ولعله من الأمور التي تكون قرب قيام الساعة.

وأما المعنوي فله مدة منذ ظهر يعرف ذلك أهل العلم الديني ومن له فطنة من أهل السبب الدنيوي، فإنهم يجدون أنفسهم لا يقدر أحدهم أن يبلغ من العمل قدر ما كانوا يعملونه قبل ذلك, ويشكون ذلك ولا يدرون العلة فيه، ولعل ذلك بسبب ما وقع من ضعف الإيمان لظهور الأمور المخالفة للشرع من عدة أوجه، وأشد ذلك الأقوات ففيها من الحرام المحض ومن الشبه ما لا يخفى، حتى أن كثيراً من الناس لا يتوقف في شيء ومهما قدر على تحصيل شيء هجم عليه ولا يبالي.

والواقع أن البركة في الزمان وفي الرزق وفي النبت إنما يكون من طريق قوة الإيمان, واتباع الأمر, واجتناب النهي, والشاهد لذلك قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ [الأعراف: ٩٦] (٩). أشراط الساعة ليوسف الوابل-ص: ١٢٠


(١) رواه البخاري (٦٠٣٧)، ومسلم (١٥٧).
(٢) رواه أحمد (٢/ ٥٣٧) (١٠٩٥٦). قال شعيب الأرناؤوط محقق ((المسند)): إسناده صحيح على شرط مسلم، وحسنه الوادعي في ((الصحيح المسند)) (١٤٦٠).
(٣) ((معالم السنن بهامش مختصر سنن أبي داود للمنذري)) (٦/ ١٤١) ((جامع الأصول لابن الأثير)) (١٠/ ٤٠٩) ((فتح الباري)) (١٣/ ١٦).
(٤) ((فتح الباري)) (١٣/ ١٦).
(٥) ((فتح الباري)) (١٣/ ١٦).
(٦) ((مختصر سنن أبي داود للمنذري)) (٦/ ١٤٢).
(٧) ((اتحاف الجماعة)) (١/ ٤٩٧)، ((والعقائد الإسلامية)) (٢٤٧) لسيد سابق.
(٨) ((مختصر سنن أبي داود للمنذري)) (٦/ ١٤٢) ((جامع الأصول)) (١٠/ ٤٠٩) تحقيق عبد القادر الأرناؤوط.
(٩) ((فتح الباري)) (١٣/ ١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>