للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثاني: واجبات فرعية]

بالإضافة إلى هذه الواجبات الرئيسة هناك بعض الواجبات اللازمة على الإِمام وإن لم يكن بعضها من الأهداف الرئيسة للإِمامة، وإنما هي وسائل إلى تحقيق هذه الأهداف، وبناء على القاعدة الأصولية (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) فهي واجبة على الإمام إذًا ... ومن هذه الواجبات ما يلي:

أولاً: استيفاء الحقوق المالية لبيت المال وصرفها في مصارفها الشرعية:

من واجبات الإمام ومسؤولياته الجسام استيفاء الحقوق المالية أو الموارد أو كما يقول أبو يعلى: (جباية الفيء، والصدقات على ما أوجبه الشرع نصًا واجتهادًا من غير عسف) (١) وكذلك المصروفات والنفقات والعطاءات، وعلى حدِّ قول القاضي أبي يعلى: (تقدير العطاء وما يستحق من بيت المال من غير سرف ولا تقصير، ودفعه في وقت لا تقديم فيه ولا تأخير) (٢).

موارد بيت المال:

١ - الزكاة:

وهي: الركن الثاني من أركان الإسلام، ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع، تجب على كل مسلم ومسلمة مَلَكَ نصابًا وحال عليه الحول فيما يشترط فيه ذلك. وقد حدّدت الشريعة الإسلامية نصاب كل صنف من أصناف الأموال المزكَّاة.

وقد اتفق الصحابة على قتال مانعيها، وعلى هذا فمن أنكر وجوبها كفر، ومن منعها معتقدًا وجوبها وقدر الإمام على أخذها منه أخذها منه جبرًا وعزَّره على امتناعه، وإن كان خارجًا عن قبضة الإمام قاتله، كما فعل أبو بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه، وقال قولته المشهورة: (والله لو منعوني عقالاً - وفي رواية عناقًا - كانوا يُؤدونه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم عليه) (٣).

وهي ليست حقًا موكولاً للأفراد يؤديه منهم من شاء ويدعه من أراد، وإنما هي حق عام يتولاه الإمام وولاته فيقومون بجبايته ممن تجب عليه، ويصرفونه إلى من تجب له.

والأدلة على ذلك كثيرة منها:

١ - قول الله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة: ٦٠].

فالشاهد من الآية قوله: وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا قال الفخر الرازي في تفسيره: (دلت هذه الآية على أن هذه الزكاة يتولى أخذها وتفرقتها الإمام ومن يلي من قِبَله، والدليل عليه أن الله جعل للعاملين سهمًا فيها، وهذا يدل على أنه لا بد في أداء هذه الزكوات من عامل، والعامل هو الذي نصبه الإمام لأخذ الزكوات فدلّ هذا النص على أن الإمام هو الذي يأخذ الزكوات) (٤).

كما يدلّ ذلك أيضًا أن بعض المصارف المذكورة لا يمكن أن يصرفها إلا الإمام، مثل مصرف المؤلَّفة قلوبهم، فهذا لا يقوم به إلا الإمام، فدلّ على استحقاق دفعها إليه. ومثل إعداد العدَّة والعُدَدِ للجهاد في سبيل الله فلا يمكن تنظيم ذلك إلا بتصرف الإمام.

٢ - قوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ [التوبة: ١٠٣].

فالخطاب في قوله خُذْ للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولكل من يلي أمر المسلمين من بعده كما فهم الصحابة رضوان الله عليهم بذلك (٥).


(١) [١٣١١٠])) ((الأحكام السلطانية)) (ص: ٢٨).
(٢) [١٣١١١])) ((الأحكام السلطانية)) (ص: ٢٨).
(٣) [١٣١١٢])) رواه البخاري (٧٢٨٤)، ومسلم (٢٠). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٤) [١٣١١٣])) ((التفسير الكبير)) للرازي (١٦/ ١١٤).
(٥) [١٣١١٤])) انظر: ((تفسير ابن كثير)) (٤/ ١٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>