للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - ومنها ما رواه ابن عباس في الصحيحين وغيرهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين بعث معاذًا إلى اليمن قال له: (( ... أعْلِمْهُم أن الله افترض عليهم في أموالهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردُّ على فقرائهم، فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم ... )) الحديث (١).

والشاهد من الحديث قوله: ((تؤخذ من أغنيائهم فتردُّ على فقرائهم)) فبين الحديث أن الشأن فيها أن يأخذها ويردها رادٌّ، لا أن تترك لاختيار من وجبت عليه (٢).

قال الحافظ ابن حجر: (استدل به على أن الإمام هو الذي يتولى قبض الزكاة وصرفها، إما بنفسه وإما بنائبه فمن امتنع منهم أخذت منه قهرًا) (٣).

ومعروف في السيرة النبوية والتاريخ سعاة النبي - صلى الله عليه وسلم - الذين بعثهم إلى الأمصار، وكذلك سار على نهجه خلفاؤه من بعد. وللصحابة فتاوى كثيرة في هذا الموضوع (٤)، ولهذا قال العلماء: (يجب على الإمام أن يبعث السعاة لأخذ الصدقة لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء من بعده كانوا يبعثون السعاة، ولأن في الناس من يملك المال ولا يعرف ما يجب عليه فيه، ومنهم من يبخل فوجب أن يبعث من يأخذ ... ) (٥).

الحكمة في دفعها للإمام:

ولقيام الإمام بجمعها ثم توزيعها دون قيام المالك بتوزيعها بنفسه على مستحقيها حكم كثيرة منها:

١ - أن كثيرًا من الأفراد قد تموت ضمائرهم أو يصيبها السقم والهزال فلا ضمان للفقير إذا ترك حقه لمثل هؤلاء.

٢ - في أخذ الفقير حقه من الحكومة لا من الغني نفسه حفظ لكرامته، وصيانة لماء وجهه أن يراق بالسؤال، ورعاية لمشاعره أن يجرحها المنُّ والأذى.

٣ - أن ترك الأمر للأفراد يجعل التوزيع فوضى فقد ينتبه أكثر من غني لإعطاء فقير واحد، على حين يغفل عن آخر لا يفطن له أحد، وربما كان أشدُّ فقرًا (٦).

كل ما سبق يدل على أن على الإمام أن يطلب الزكاة ويجبيها من أصحابها، ثم يقوم بتوزيعها على مستحقيها الذين ذكرتهم الآية السابقة. وعلى الأمة أن تدفعها إليه أو إلى عماله الذين يرسلهم لجبايتها.

دفعها إلى أئمة الجور:

الواقع أننا عند استعراض الأدلة والفتاوى والنصوص الواردة في المسألة نجد منها ما يوجب الدفع ومنها ما يمنع ذلك، فلنستعرضها ونرى الراجح منها:

الأدلة الموجبة لدفع الزكاة لأئمة الجور:

١ - عن جرير بن عبد الله قال: ((جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: إن أناسًا من المصدقين (جباة الصدقة) يأتوننا فيظلموننا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أرضوا مصدقيكم)) (٧).

٢ - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه ((أن رجلاً قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا أدَّيت الزكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى الله ورسوله؟ قال: نعم. إذا أديتها إلى رسولي فقد برئت منها إلى الله ورسوله، ولك أجرها وإثمها على من بدَّلها)) (٨).

٣ - كما يدلّ على ذلك فتاوى الصحابة والتابعين، وكلام الفقهاء من ذلك:


(١) رواه البخاري (١٤٩٦)، ومسلم (١٩) (٢٩).
(٢) [١٣١١٦])) ((فقه الزكاة)) للقرضاوي (٢/ ٧٤٩).
(٣) [١٣١١٧])) ((فتح الباري)) (٣/ ٣٦٠).
(٤) [١٣١١٨])) انظر: ((فقه الزكاة)) للقرضاوي (٢/ ٧٥٤).
(٥) [١٣١١٩])) ((المجموع)) (٦/ ١٦٧) و ((روضة الطالبين)) النووي (٢/ ٢١٠).
(٦) [١٣١٢٠])) انظر: ((فقه الزكاة)) للقرضاوي (٢/ ٧٥٦).
(٧) [١٣١٢١])) رواه مسلم (٩٨٩).
(٨) [١٣١٢٢])) رواه أحمد (٣/ ١٣٦) (١٢٤١٧)، والطبراني في ((الأوسط)) (٨/ ٣٣٨) (٨٨٠٢). قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٣/ ٦٦): رواه أحمد والطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح، وقال الوادعي في ((أحاديث معلة)) (٤١): رجاله رجال الصحيح، ولكن في ((تهذيب التهذيب)) أن رواية سعيد بن أبي هلال عن أنس مرسلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>