للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تسع وأربعون: الآثار الإيمانية لاسم الله العظيم]

١ - إن الله سبحانه، هو العظيم المطلق، فهو عظيم في ذاته، عظيم في أسمائه كلها، عظيم في صفاته كلها، فهو عظيم في سمعه وبصره، عظيم في قدرته وقوته، عظيم في علمه ... ، فلا يجوز قصر عظمته في شيء دون شيء، لأن ذلك تحكم لم يأذن به الله.

قال ابن القيم رحمه الله في نونيته مقرراً ذلك:

وهو العظيم بكل معنى يوجب التـ ... ـعظيم لا يحصيه من إنسان (١)

فمن عظمته في علمه وقدرته أنه لا يشق عليه أن يحفظ السماوات السبع والأرضين السبع، ومن فيهما كما قال وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة: ٢٥٥].

٢ - الفرق بين عظمة الخالق والمخلوق:

أن المخلوق قد يكون عظيماً في حال دون حال، وفي زمان دون زمان، فقد يكون عظيماً في شبابه، ولا يكون كذلك عند شيبه، وقد يكون ملكاً أو غنياً معظماً في قومه، فيذهب ملكه وغناه أو يفارق قومه وتذهب عظمته معها، لكن الله سبحانه هو العظيم أبدا.

قال الحليمي في (العظيم): ومعناه الذي لا يمكن الامتناع عليه بالإطلاق، لأن عظيم القوم إنما يكون مالك أمورهم، الذي لا يقدرون على مقاومته ومخالفة أموره، إلا أنه وإن كان كذلك، فقد يلحقه العجز بآفات تدخل عليه فيما بيده فتوهنه وتضعفه، حتى يستطاع مقاومته، بل قهره وإبطاله، والله جل ثناؤه قادر لا يعجزه شيء، ولا يمكن أن يعصى كرهاً، أو يخالف أمره قهراً. فهو العظيم إذاً حقاً وصدقا، وكان الاسم لمن دونه مجازاً اهـ (٢).

٣ - على المسلم أن يعظم الله حق تعظيمه، ويقدره حق قدره، وإن كان هذا لا يستقصى، إلا أن على المسلم أن يبذل قصارى ما يملك لكي يصل إليه.

وتعظيم الله سبحانه وتعالى أولاً، إنما هو بوصفه بما يليق به من الأوصاف والنعوت التي وصف بها نفسه، والإيمان بها وإثباتها له، دون تشبيهها بخلقه، ولا تعطيلها عما تضمنته من معاني عظيمة.

فمن شبه ومثل، أو عطل وأول، فما عظم الله حق تعظيمه.

ومن تعظيمه جل علا، الإكثار من ذكره في كل وقت وحين، والبدء باسمه في جميع الأمور، وحمده والثناء عليه بما هو أهل له، وتهليله وتكبيره.

ومن تعظيم الله سبحانه، أن يطاع رسوله صلى الله عليه وسلم وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ [النساء: ٦٤]، فمن أطاع الرسول فقد أطاع المرسل مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ [النساء: ٨٠]، ومن عصاه فقد عصى الله.

ومن تعظيم الله سبحانه أن يعظم رسوله ويوقر، قال تعالى لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ [الفتح: ٩] (٣).

وأن لا يقدم على كلامه أحد مهما كانت مكانته قال تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ [الحجرات: ١].

ومن تعظيم الله سبحانه أن يصدق كتابه، لأنه كلامه، وأن يحكم في الأرض لأنه شرعه الذي ارتضاه للناس أجمعين. فمن لم يفعل فما عظم الله حق تعظيمه، بل التحق بأشباهه من اليهود الذين اتخذوا كتاب الله وراءهم ظهرياً واتبعوا شياطين الإنس والجن.

ومن تعظيم الله سبحانه، أن تعظم شعائر دينه كالصلاة والزكاة والصيام والحج والعمرة وغيرها.

قال تعالى: وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج: ٣٢].


(١) ((النونية بشرح أحمد بن إبراهيم بن عيسى)) (٢/ ٢١٤).
(٢) ((المنهاج)) (١/ ١٩٥).
(٣) انظر: ((تفسير ابن كثير)) (٢/ ٣٦٢ - ٣٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>