للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثالث: معنى الصور]

وأما ما هو الصور؟ فمن أقوال العلماء في ذلك:

ما قاله ابن جرير الطبري – رحمه الله – من أن الناس قد اختلفوا فيه (فقال بعضهم: هو قرن ينفخ فيه نفختان، إحداهما لفناء من كان حياً على الأرض، والثانية لنشر كل ميت.

وقال آخرون: الصور في هذا الموضع: جمع صورة، ينفخ فيها روحها فتحيا) (١).

ولكنه وهو يذكر هذين القولين يرجح أن الصور قرن ينفخ فيه؛ لقوة الأدلة على هذا، فقال: (والصواب من القول في ذلك عندنا ما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن إسرافيل قد التقم الصور, وحنى جبهته ينتظر متى يؤمر فينفخ) (٢)، وأنه قال: (الصور قرن ينفخ فيه) (٣).

وقال الإمام الرازي: (المسألة الثالث: قوله: يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ [طه: ١٠٢].

ولا شبهة أن المراد منه يوم الحشر، ولا شبهة عند أهل الإسلام أن الله سبحانه خلق قرناً ينفخ فيه ملك من الملائكة، وذلك القرن يسمى بالصور، على ما ذكر الله تعالى هذا المعنى في مواضع من الكتاب الكريم.

ولكنهم اختلفوا في المراد بالصور في هذه الآية على قولين:

القول الأول: أن المراد منه ذلك القرن الذي ينفخ فيه، وصفته مذكورة في سائر السور.

والقول الثاني: أن الصور جمع صورة، والنفخ في الصور عبارة عن النفخ في صور الموتى) (٤).

ثم أبطل الرازي هذا القول الأخير واعتبره خطأ فاحشاً من قائله، كما نقل ذلك عن أهل العلم.

وقد أيد الإمام ابن كثير ما قاله الإمام الرازي، حيث قال فيمن ذهب إلى أن الصور هنا جمع صورة، وأن معناه: أي يوم ينفخ فيها فتحيا، قال: (والصحيح أن المراد بالصور: القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل عليه السلام) (٥).

وكذلك ذهب الآلوسي حيث قال عن قوله تعالى: ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى [الزمر: ٦٨]: (ظاهر في أن الصور ليس جمع صورة، وإلا لقال سبحانه (فيها) بدل (فيه)، وارتكاب التأويل يجعل الكلام من باب التمثيل ظاهر في إنكار أن يكون هناك صور حقيقة، وهو خلاف ما نطقت به الأحاديث الصحاح).

ثم قال الآلوسي: (وقد قال أبو الهيثم - على ما نقل عنه القرطبي في تفسيره: من أنكر أن يكون الصور قرناً، فهو كمن أنكر العرش والصراط والميزان، وطلب لها تأويلات) (٦).

وعلى هذا؛ فإن الصور هو قرن ينفخ فيه، وقد ورد أن الذي ينفخ فيه على التعيين هو إسرافيل عليه السلام. الحياة الآخرة لغالب عواجي-١/ ١٨٤


(١) ((تفسير الطبري)) (٧/ ٢٤١).
(٢) رواه أحمد (١/ ٣٢٦) (٣٠١٠)، والحاكم (٤/ ٦٠٣). بلفظ: ((صاحب القرن قد التقم القرن)) بدلاً من: ((إسرافيل قد التقم الصور)). من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. قال ابن كثير في تفسيره (٢/ ١٤٨)، والشوكاني في ((فتح القدير)) (١/ ٥٩٨): جيد، وصححه أحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (١/ ٤٤١) كما أشار إلى ذلك في المقدمة، وقال شعيب الأرناؤوط في تحقيقه للمسند: حسن لغيره.
(٣) رواه أبو داود (٤٧٤٢)، والترمذي (٢٤٣٠)، وأحمد (٢/ ١٦٢) (٦٥٠٧)، والدارمي (٢/ ٤١٨) (٢٧٩٨)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (٦/ ٣٩٢) (١١٣١٢)، والحاكم (٢/ ٥٥٠). من حديث ابن عمرو رضي الله عنهما. والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الترمذي: حسن، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (٥/ ١٦٠) كما قال ذلك في المقدمة.
(٤) ((تفسير الرازي)) (١٣/ ٣٤).
(٥) ((تفسير ابن كثير)) (٢/ ١٤٦).
(٦) ((روح المعاني)) (٢٠/ ٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>