للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الشبهة الثانية: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث لا يضرنا ضلال الضالين]

يقول بعض الناس: لا يجب علينا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث أمرنا الله تعالى بالاهتمام بأنفسنا وبين أنه لا يضرنا ضلال الآخرين واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة: ١٠٥].

تبيين حقيقة الشبهة من جانبين:

١ - من الآية نفسها.

٢ - بالنصوص الأخرى الواردة في الكتاب والسنة.

أولاً: كشف النقاب عن حقيقة الشبهة من الآية نفسها:

لو تدبر أصحاب هذه الشبهة في الآية نفسها لما نطقوا بها. اشترط الله تعالى لعدم إصابة الضرر بسبب ضلال الآخرين أن يكون الشخص مهتديا حيث قال تعالى: لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ولا يصير الشخص مهتديا إلا إذا أدى ما أوجبه الله عليه. ومما أوجب عليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فالذي لا يقوم بهذا لا يكون مهتديا لأن فوات الشرط يستلزم فوات المشروط. وقد بين هذا بعض الصحابة والتابعين وكثير من المفسرين والعلماء القدامى والمتأخرين.

فعلى سبيل المثال فقد نقل الإمام ابن جرير الطبري عن حذيفة رضي الله عنه في تفسير هذه الآية أنه قال: (إذا أمرتم ونهيتم) (١).

كما نقل الإمام الطبري عن سعيد بن المسيب في تفسير الآية أنه قال: (إذا أمرت بالمعروف، ونهيت عن المنكر، لا يضرك من ضل إذا اهتديت) (٢).

ويقول الإمام أبو بكر الجصاص في تفسير الآية: (ومن الاهتداء اتباع أمر الله في أنفسنا وفي غيرنا، فلا دلالة فيها إذا على سقوط فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).

ويقول الإمام النووي: وأما قول الله عز وجل: عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ فمعناه: أنكم إذا فعلتم ما كلفتم به فلا يضركم تقصير غيركم. وإذا كان كذلك، فمما كلف به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا فعله ولم يمتثل المخاطب فلا عتب بعد ذلك على الفاعل لكونه أدى ما عليه، فإنما عليه الأمر والنهي لا القبول. والله أعلم (٣).

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا الصدد: (والاهتداء إنما يتم بأداء الواجب، فإذا قام المسلم بما يجب عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قام بغيره من الواجبات لم يضره ضلال الضلال) (٤).

إضافة إلى ذلك بين بعض العلماء أن قوله تعالى: عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ احفظوها والزموا صلاحها بأن يعظ بعضكم بعضا ويرغبه في الخيرات وينزه عن القبائح والسيئات (٥).

ثانيا: تفنيد الشبهة بالنصوص الأخرى:

وردت نصوص كثيرة في الكتاب والسنة تبين أنه مما يجب على الصالحين تجاه أعمال الآخرين السيئة تذكيرهم ومنعهم عنها. وإن لم يفعلوا هذا يوشك أن ينزل عليهم غضب الله فيدعونه فلا يستجيب لهم.

ومن تلك النصوص قوله تعالى: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [الأنعام: ٦٨ - ٦٩].


(١) ((تفسير الطبري)) (١١/ ١٤٨).
(٢) ((تفسير الطبري)) (١١/ ١٤٨).
(٣) ((شرح النووي على صحيح مسلم)) (٢/ ٢٢) بتصرف يسير واختصار.
(٤) ((الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)) (ص: ١٧).
(٥) نقلا عن ((تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان)) (٧/ ٤٥). وانظر أيضاً قول الإمام الحاكم في هذا الصدد في ((تفسير القاسمي)) (٦/ ٤٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>