للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[- الدلالة أو الدليل]

يوصف الله عَزَّ وجَلَّ بأنه الدليل يدُلُّ عباده ويهديهم طريق الرشاد وليس الدليل من أسمائه والدليل: الهادي، والدِّلالة (بفتح الدال وكسرها): الهداية.

الدليل من الكتاب:

قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الصف: ١٠].

الدليل من السنة:

حديث أبيِّ بن كعب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنه بينما موسى عليه السلام في قومه يذكرهم بأيام الله - وأيام الله: نعماؤه وبلاؤه - إذ قال: ما أعلم في الأرض رجلاً خيراً وأعلم مني، قال: فأوحى الله إليه إني أعلم بالخير منه، أو عند من هو، إنَّ في الأرض رجلاً هو أعلم منك قال: يا رب فَدُلَّنِي عليه)) (١).

قال شيخ الإسلام: وهدايتُه ودلالتُه من مقتضى اسمه الهادي وفي الأثر المنقول عن أحمد بن حنبل أنه أمر رجلا أنْ يقول يا دليل الحيارى دُلَّنِي على طريق الصادقين واجعلني من عبادك الصالحين (٢).

وقال: وفي الدعاء الذي علَّمه الإمام أحمد لبعض أصحابه: (يا دليل الحيارى دُلَّنِي على طريق الصادقين واجعلني من عبادك الصالحين) ولهذا كان عامة أهل السنة من أصحابنا وغيرهم على أنَّ الله يسمى دليلاً، ومنع ابن عقيل وكثيرٌ من أصحاب الأشعري أن يسمى دليلاً لاعتقادهم أنَّ الدليل هو ما يستدل به وأن الله هو الدالُّ، وهذا الذي قالوه بحسب ما غلب في عرف استعمالهم من الفرق بين الدال والدليل، وجوابه من وجهين؛ أحدهما: أنَّ الدليل معدول عن الدال وهو ما يؤكد فيه صفة الدلالة فكلُّ دليلٍ دالٌ وليس كلُّ دالٍ دليلاً، وليس هو من أسماء الآلات التي يفعل بها فإن فَعِيل ليس من أبنية الآلات كمِفْعَل ومِفْعَال، وإنما سُمِّي ما يستدل به من الأقوال والأفعال والأجسام أدلة باعتبار أنها تدل من يستدل بها، كما يخبر عنها بأنها تَهْدِي وَتُرْشِدُ وَتَعْرِفُ وَتَعْلَمُ وَتَقُولُ وَتُجِيبُ وَتَحْكُمُ وَتُفْتِي وَتَقُصُّ وَتَشْهَدُ وإن لم يكن لها في ذلك قصد وإرادة ولا حس وإدراك كما هو مشهورٌ في الكلام العربي وغيره، فما ذكروه من الفرق والتخصيص لا أصل له في كلام العرب، الثاني: أنه لو كان الدليل من أسماء الآلات التي يفعل بها فقد قال الله تعالى فيما روى عنه نبيه في عبده المحبوب: فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يعقل، وبي ينطق، وبي يبطش، وبي يسعى، والمسلم يقول: استعنت بالله، واعتصمت به، وإذا كان ما سوى الله من الموجودات الأعيان والصفات يستدل بها سواء كانت حية أو لم تكن بل ويستدل بالمعدوم، فلأن يستدل بالحي القيوم أولى وأحرى، على أنَّ الذي في الدعاء المأثور: (يا دليل الحيارى دُلَّنِي على طريق الصادقين واجعلني من عبادك الصالحين) يقتضي أنَّ تسميته دليلاً باعتبار أنه دالٌ لعباده لا بمجرد أنه يستدل به كما قد يستدل بما لا يقصد الدلالة والهداية من الأعيان والأقوال والأفعال اهـ (٣).

قلت: أسماء الله توقيفية وليس منها (الدليل) وتوجيه كلام شيخ الإسلام في ردِّه على ابن عقيل وكثيرٍ من الأشاعرة أنهم لا يُوصِفُون الله بالدليل ويقولون هو دالٌ وليس دليلاً، فردَّ عليهم مُثبتاً صفةَ الدَّلالة لله عَزَّ وجَلَّ بما سبق نقله ومنه قوله: (الدليل معدولٌ عن الدالِّ وهو ما يؤكد فيه صفةَ الدِّلالة فكلُّ دليلٍ دالٌ وليس كلُّ دالٍ دليلاً)؛ أما دعاء الإمام أحمد –إن صحَّ عنه- فليس فيه تسمية الله بـ (الدليل) إنما فيه مناداة الله عَزَّ وجَلَّ بصفة من صفاته وهذا جائز كقولك: يا فارج الهم ويا كاشف الغم، ويا دليل الحيارى ونحو ذلك، وليس الفارج والكاشف من أسمائه تعالى، والله أعلم. صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص١٣٥


(١) رواه مسلم (٢٣٨٠).
(٢) ((مجموع الفتاوى)) (١/ ٢٠٧).
(٣) ((مجموع الفتاوى)) (٢/ ١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>