للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الرابع: ألا يكون المنكر من المسائل المختلف فيها]

يجب على الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ألا ينكر على الناس في المسائل المختلف فيها كأن تكون هذه المسألة جائزة عند بعض الأئمة وممنوعة عند بعضهم والفاعل لها مقلداً لإمامه المجيز لهذه المسألة مثلاً:

يقول الغزالي:

فكل ما هو محل اجتهاد فلا حسبة فيه فليس للحنفي أن ينكر على الشافعي أكله الضب والضبع ومتروك التسمية، ولا للشافعي أن ينكر على الحنفي شربه النبيذ الذي ليس بمسكر وجلوسه في دار أخذها بشفعة الجوار إلى غير ذلك من مجاري الاجتهاد. نعم لو رأى الشافعي شافعياً يشرب النبيذ فهذا في محل نظر والأظهر أن له الحسبة والإنكار إذ لم يذهب أحد من المحصلين إلى أن المجتهد يجوز أن يعمل بموجب اجتهاد غيره ولا أن الذي أدى اجتهاده في التقليد إلى شخص رآه أفضل العلماء أن له أن يأخذ بمذهب غيره فينتقي من المذاهب أحبها عنده بل على كل مقلد اتباع مقلده في كل تفصيل (١).

وقال أبو الحسن الماوردي: واختلف الفقهاء من أصحاب الشافعي هل يجوز له –المحتسب- أن يحمل الناس فيما ينكره من الأمور التي اختلف الفقهاء فيها على رأيه واجتهاده أم لا؟ على وجهين: أحدهما وهو قول أبي سعيد الاصطخري أن له أن يحمل ذلك على رأيه واجتهاده، فعلى هذا يجب على المحتسب أن يكون عالماً من أهل الاجتهاد في أحكام الدين ليجتهد رأيه فيما اختلف فيه.

والوجه الثاني: ليس له أن يحمل الناس على رأيه واجتهاده، ولا يقودهم إلى مذهبه لتسويغ الاجتهاد للكافة، وفيما اختلف فيه، فعلى هذا يجوز أن يكون المحتسب من غير أهل الاجتهاد إذا كان عارفاً بالمنكرات المتفق عليها (٢).

وقال عبد الكريم زيدان: الواقع أن الخلاف إما أن يكون سائغاً وإما أن يكون غير سائغ ولكل حكمه:

١ - الخلاف السائغ يمنع من الاحتساب على رأي بعض الفقهاء وقال آخرون: يجوز للمحتسب أن ينكر على فاعل المنكر المختلف فيه بشرط أن يكون المحتسب مجتهداً.

٢ - الخلاف غير السائغ وهو الخلاف الشاذ أو الباطل الذي لا يعتد به لعدم قيامه على أي دليل مقبول كالذي يخالف صريح القرآن والسنة الصحيحة المتواترة المشهورة أو إجماع الأمة أو ما علم من الدين بالضرورة فمثل هذا الخلاف لا قيمة له ولا يمنع المحتسب من الإنكار والاحتساب (٣).

ولعل الأرجح –والله أعلم- أنه ليس للمحتسب أن يحمل الناس على مذهبه إلا أن يكون مجتهداً وإذا كان مجتهداً فله ذلك. ولكن الأحرى أن لا ينتسب المجتهد إلى مذهب معين بل إنه يعمل بما ترجح لديه من الدليل. وإن كان يعمل بمعظم وبكثير من مسائل أحد المذاهب فعمله هذا على حسب ظهور الدليل له في هذه المسائل مثلاً.

وأيضاً لا يشترط أن يكون الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر من أهل الاجتهاد. لأننا لو شرطنا ذلك لتعطل الأمر والنهي ولعمت المنكرات لافتقار المجتهدين.

والنصوص الشرعية خاطبت الأمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولم تخاطب المجتهدين منهم فقط يقول تعالى: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ [آل عمران: ١١٠].

ويقول صلى الله عليه وسلم ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)) (٤).


(١) ((إحياء علوم الدين)) م٣ (٧/ ٣٧، ٣٨). وانظر (ص: ٣٨، ٣٩) من المرجع نفسه.
(٢) ((الأحكام السلطانية)) الماوردي (ص: ٢٤١).
(٣) ((أصول الدعوة)) عبد الكريم زيدان (ص: ١٨٣).
(٤) رواه مسلم (٤٩). من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>