للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أحداً عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعدم اجتهاده ولا عن الصحابة أنهم نهى بعضهم بعضاً عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعدم اجتهاده.

فتخصيص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمجتهد يحتاج إلى مخصص.

فتبين من ذلك أن للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يمارس ذلك ولو لم يكن من أهل الاجتهاد. والله أعلم.

وقال الإمام أحمد في رواية المروذي: (لا ينبغي للفقيه أن يحمل الناس على مذهبه ولا يشدد عليهم) (١) وله رواية أخرى خلاف ذلك.

قال في رواية الميموني في الرجل يمر بالقوم يلعبون بالشطرنج ينهاهم ويعظهم. وقال أبو داود: سمعت أحمد سئل عن رجل مر بقوم يلعبون بالشطرنج فنهاهم فلم ينتهوا فرمى به فقال: قد أحسن (٢).

فالإمام أحمد أقره على فعله بل أيده عليه مع الخلاف المذكور في الشطرنج.

ولأحمد رواية ثالثة: لا ينكر على المجتهد بل على المقلد، روى إسحاق ابن إبراهيم عن الإمام أحمد أنه سئل عن الصلاة في جلود الثعالب، قال: إذا كان متأولاً أرجو أن لا يكون به بأس، وإن كان جاهلاً ينهى ويقال له: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك (٣).

وقال الخلال: أخبرنا عصمة بن عصام حدثنا حنبل قال: قلت لأبي عبد الله: ترى الرجل إذا رأى الرجل لا يتم ركوعها ولا سجودها ولا يقيم أمر صلاته ترى أن تأمره بالإعادة؟ قال: يحسن صلاته أو نمسك عنه. ثم قال: إن كان يظن أنه يقبل منه أمره، وقال له ووعظه حتى يحسن الصلاة فإن الصلاة من تمام الدين (٤).

وقال أيضاً: أخبرني الحسن بن عبد الوهاب، أن إسماعيل بن يوسف حدثهم. قال: حدثنا يعقوب حدثنا عبد الرحمن حدثنا محمد بن النضر قال: سأل رجل الأوزاعي قال: من آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر؟ قال: من ترى أنه يقبل منك (٥).

وفي الغالب من على خلاف مذهبك لا يقبل منك.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: والصواب ما عليه جماهير المسلمين أن كل مسكر خمر يجلد شاربه ولو شرب قطرة واحدة لتداو أو غير تداو.

وقال في كتاب بطلان التحليل: قولهم ومسائل الخلاف لا إنكار فيها ليس بصحيح فإن الإنكار إما أن يتوجه إلى القول بالحكم أو العمل.

أما الأول فإن كان القول يخالف سنة أو إجماعاً قديماً وجب إنكاره وفاقاً.

وإن لم يكن كذلك فإنه ينكر بمعنى بيان ضعفه عند من يقول المصيب واحد، وهم عامة السلف والفقهاء، وأما العمل إذا كان على خلاف سنة أو إجماع وجب إنكاره أيضاً بحسب درجات الإنكار. كما ذكرنا من حديث شارب النبيذ المختلف فيه وكما ينقض حكم الحاكم إذا خالف سنة وإن كان قد اتبع بعض العلماء.

وأما إذا لم يكن في المسألة سنة ولا اجتماع والاجتهاد فيها مساغ فلا ينكر على من عمل بها مجتهداً أو مقلداً.

وإنما دخل هذا اللبس من جهة أن القائل يعتقد أن مسائل الخلاف هي مسائل الاجتهاد. كما اعتقد ذلك طوائف من الناس والصواب الذي عليه الأئمة أن مسائل الاجتهاد ما لم يكن فيها دليل يجب العمل به وجوباً ظاهراً مثل حديث صحيح لا معارض له من جنسه فيسوغ إذا عدم ذلك الاجتهاد لتعارض الأدلة المقاربة أو لخفاء الأدلة فيها وليس في ذكر كون المسألة قطعية طعن على من خالفها من المجتهدين كسائر المسائل التي اختلف فيها السلف وقد تيقنا صحة أحد القولين فيها مثل كون الحامل المتوفى عنها زوجها تعتد بوضع الحمل. وأن الجماع المجرد عن إنزال يوجب الغسل.

وقال أيضاً: من أصر على ترك الجماعة ينكر عليه ويقاتل عليه أيضاً في أحد الوجهين عن استحبابها، وأما من أوجبها فإنه عنده يقاتل ويفسق إذا قام الدليل عنده المبيح للمقاتلة والتفسيق كالبغاة بعد زوال الشبهة ... (٦).

وقال النووي –رحمه الله-: إن المختلف فيه لا إنكار فيه لكن إن ندبه على جهة النصيحة إلى الخروج من الخلاف فهو حسن محبوب مندوب إلى فعله برفق (٧). الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعبد العزيز بن أحمد المسعود – ص ٢٢٧


(١) ((الآداب الشرعية)) ابن مفلح (١/ ١٨٧).
(٢) ((الآداب الشرعية)) ابن مفلح (١/ ١٨٧).
(٣) ((الآداب الشرعية)) ابن مفلح (١/ ١٨٨).
(٤) ((الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)) الخلال (ص: ١٠٦، ١٠٧) دار الاعتصام.
(٥) ((الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)) الخلال (ص: ١٠٧).
(٦) انظر كتاب ((الآداب الشرعية)) ابن مفلح (٧/ ٨٩، ١٩٠).
(٧) انظر كتاب ((الآداب الشرعية)) ابن مفلح (٧/ ١٩٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>