للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب الثالث: أن يكون المنكر ظاهراً من غير تجسس

لقد شمل الإسلام جميع جوانب الحياة للمسلم وأعطى كل جانب منها حقه وضمن للإنسان أن يعيش في المجتمع آمناً مطمئناً محترماً وموقراً طالما أنه سالك الطريق المستقيم، وأما إذا حاد عن الطريق فإن الإسلام جعل لكل أمر معوج ما يناسبه من التقويم.

ومن الأمور التي شرعها الإسلام لاحترام الإنسان وأمنه النهي عن التجسس عليه.

فلا يجوز لأحد أن يدخل عليه بيته إلا بإذنه يقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النور: ٢٧] حتى تسلموا وتستأذنوا وذلك أن يقول أحدهم السلام عليكم أأدخل؟ وهو من المقدم الذي معناه التأخير إنما هو حتى تسلموا وتستأذنوا (١).

ففي الآية نص من الله تعالى بتحريم الدخول إلى البيوت بغير إذن، بل إن الإسلام حرم أقل من ذلك وهو النظر إلى داخل البيت من أحد ثقوبه أو فتحاته. فأسقط الشارع الحكم حد القصاص والدية عمن فعل ذلك.

حيث ورد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم ((لو أن امرأً اطلع عليك بغير إذن فخذفته بحصاة ففقأت عينه لم يكن عليك جناح)) (٢).

وما رخصت عين الجاني إلا لعظمة حرمة المسلم داخل بيته.

وإذا كان الإسلام حرم الدخول إلى البيت والنظر إلى داخله بغير إذن.

فإن الإسلام أيضاً حرم التجسس. يقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا [الحجرات: ١٢] الآية.

قال مجاهد –رحمه الله- خذوا ما ظهر لكم ودعوا ما ستر الله (٣).

وقال القرطبي –رحمه الله-: ومعنى الآية خذوا ما ظهر ولا تتبعوا عورات المسلمين أي لا يبحث أحدكم عن عيب أخيه حتى يطلع عليه بعد أن ستره الله (٤).

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً)) (٥).

وفي رواية عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تناجشوا وكونوا عباد الله إخوانا)) (٦).

ومعنى التحسس والتجسس قال بعض العلماء: الحسس بالحاء الاستماع لحديث القوم وبالجيم: البحث عن العورات، وقيل بالجيم التفتيش عن بواطن الأمور، وأكثر ما يقال في الشر. والجاسوس صاحب سر الشر، والناموس صاحب سر الخير، وقيل بالجيم أن تطلبه لغيرك وبالحاء أن تطلبه لنفسك قاله ثعلب. وقيل هما بمعنى وهو طلب معرفة الأخبار الغائبة والأحوال (٧).

وعلى كل فإنه إن كان وقع اختلاف في معنى التحسس والتجسس فإن العلماء متفقون على تحريم التجسس بنص الآية الكريمة ولا تجسسوا وبنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ((ولا تجسسوا)) وقد سبقت الإشارة إلى موضعها.


(١) ((جامع البيان في تفسير القرآن)) ابن جرير الطبري م٩ (١٨/ ٨٨، ٨٩).
(٢) رواه البخاري (٦٩٠٢)، ومسلم (٢١٥٨).
(٣) ((تفسير مجاهد)) (٢/ ٦٠٨).
(٤) ((الجامع لأحكام القرآن)) القرطبي م١٨ (١٦/ ٣٣٣).
(٥) رواه البخاري (٦٠٦٤)، ومسلم (٢٥٦٣).
(٦) رواه البخاري (٦٠٦٦)، ومسلم (٢٥٦٣).
(٧) انظر ((صحيح مسلم بشرح النووي) م١٦ (٦/ ١١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>