للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الرابع: لا يوصفون بالذكورة والأنوثة]

من أسباب ضلال بني آدم في حديثهم عن عوالم الغيب أن بعضهم يحاول إخضاع هذه العوالم لمقاييسه البشرية الدنيوية، فنرى أحداً من هؤلاء يعجب في مقال له من أن جبريل كان يأتي الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ثوان من توجيه سؤال إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يحتاج إلى جواب من الله، فكيف يأتي بهذه السرعة الخارقة، والضوء يحتاج إلى ملايين السنوات الضوئية؛ ليصل إلى بعض الكواكب القريبة من السماء.

وما درى هذا المسكين أن مثله كمثل بعوضة، تحاول أن تقيس سرعة الطائرة بمقياسها الخاص، لو تفكر في الأمر، لعلم أن عالم الملائكة له مقاييس تختلف تماماً عن مقاييسنا نحن البشر.

ولقد ضلّ في هذا المجال مشركو العرب الذين كانوا يزعمون أن الملائكة إناث، واختلطت هذه المقولة المجافية للحقيقة عندهم بخرافة أعظم وأكبر؛ إذ زعموا أن هؤلاء الإناث بنات الله.

وناقشهم القرآن في هاتين القضيتين، فبين أنهم - فيما ذهبوا إليه - لم يعتمدوا على دليل صحيح، وأن هذا القول قول متهافت، ومن عجب أنهم ينسبون لله البنات، وهم يكرهون البنات، وعندما يبشر أحدهم أنه رزق بنتاً يظل وجهه مسوداً وهو كظيم، وقد يتوارى من الناس خجلاً من سوء ما بُشر به، وقد يتعدى هذا المأفون طوره، فيدس هذه المولودة في التراب، ومع ذلك كله ينسبون لله الولد، ويزعمون أنهم إناث، وهكذا تنشأ الخرافة، وتتفرع في عقول الذين لا يتصلون بالنور الإلهي.

استمع إلى الآيات التالية تحكي هذه الخرافة وتناقش أصحابها: فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ أَلا إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ أَفَلا تَذَكَّرُونَ أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُّبِينٌ [الصافات: ١٤٩ - ١٥٦].

وقد جعل الله قولهم هذا شهادة سيحاسبهم عليها، فإن من أعظم الذنوب القول على الله بغير علم: وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُون [الزخرف: ١٩]. عالم الملائكة الأبرار لعمر الأشقر – ص: ١٣

<<  <  ج: ص:  >  >>