للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الأول: سب الصحابة رضي الله عنهم]

سب الصحابة ليس على مرتبة واحدة، بل له مراتب متفاوتة، فإن سب الصحابة أنواع ودركات، فمنها سب يطعن في عدالتهم، ومنها سب لا يوجب الطعن في عدالتهم، وقد يكون السب لجميعهم، وأكثرهم وقد يكون لبعضهم، وهناك سب لمن تواترت النصوص بفضله، ومنهم دون ذلك.

وسنورد جملة من أنواع سب الصحابة رضي الله عنهم مما يعد ناقضاً من نواقض الإيمان على النحو التالي:-

أ - إن كان مستحلاً لسب الصحابة رضي الله عنهم فهو كافر (١)، فمن المعلوم أن جميع الصحابة رضي الله عنهم عدول، وقد أجمع العلماء على عدالتهم، لما جاء في الكتاب والسنة من الثناء الحسن عليهم، المدح لهم ونقل هذا الإجماع جمع كثير من العلماء، منهم النووي حيث يقول:-

(وكلهم عدول رضي الله عنهم، ومتأولون في حروبهم وغيرها، ولم يخرج شيء من ذلك أحداً منهم عن العدالة

-إلى أن قال - ولهذا اتفق أهل الحق ومن يعتد به في الإجماع على قبول شهاداتهم ورواياتهم، وكمال عدالتهم رضي الله عنهم أجمعين) (٢).

ويقول ابن الصلاح في مقدمته: (للصحابة بأسرهم خصيصة، وهي أنه لا يسأل عن عدالة أحد منهم، بل ذلك أمر مفروغ منه، لكونهم على الإطلاق معدلين بنصوص الكتاب والسنة وإجماع من يعتد به في الإجماع من الأمة.

- إلى أن قال - ثم إن الأمة مجمعة على تعديل جميع الصحابة، ومن لابس الفتن منهم فكذلك، بإجماع العلماء الذين يعتد بهم في الإجماع، إحساناً للظن بهم، نظراً إلى ما تمهد لهم من المآثر وكأن الله سبحانه أتاح الإجماع على ذلك، لكونهم نقلة الشريعة والله أعلم) (٣).

ويقول ابن كثير: (والصحابة كلهم عدول عند أهل السنة والجماعة لما أثنى الله عليهم في كتابه العزيز، وبما نطقت به السنة النبوية في المدح لهم في جميع أخلاقهم وأفعالهم، وما بذلوه من الأموال والأرواح بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، رغبة فيما عند الله من الثواب الجزيل، والجزاء الجميل) (٤).

وقد تقرر أن سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حرام بالكتاب والسنة، قال تعالى:- وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا [الحجرات: ١٢].

قال ابن تيمية: (وأدنى أحوال الساب لهم أن يكون مغتاباً) (٥).

وقال عز وجل: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ [آل عمران: ١١٩].

قال ابن تيمية: (ومحبة الشيء كراهته لضده، فيكون الله يكره السب لهم الذي هو ضد الاستغفار، والبغض لهم الذي هو ضد الطهارة) (٦).

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين))) (٧).

فسب الصحابة كبيرة من كبائر الذنوب، لما ترتب عليه من الوعيد باللعنة (٨)، واستحلال سبهم إنكار لما علم تحريمه من الدين بالضرورة، ومن ثم فهو خروج عن الملة).

ولذا يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب:-


(١) [١٠٥٤٤])) انظر ((الصارم المسلول)) لابن تيمية (ص ٥٦٩ - ٥٧١).
(٢) [١٠٥٤٥])) ((صحيح مسلم بشرح النووي)) (١٥/ ١٤٩).
(٣) [١٠٥٤٦])) ((مقدمة ابن الصلاح)) (ص ٤٢٧، ٤٢٨).
(٤) [١٠٥٤٧])) ((الباعث الحثيث)) (ص ٢٠٥).
(٥) [١٠٥٤٨])) ((الصارم المسلول)) (ص ٥٧١).
(٦) [١٠٥٤٩])) ((الصارم المسلول)) (ص ٥٧٤).
(٧) [١٠٥٥٠])) رواه الطبراني (١٢/ ١٤٢) , قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (١٠/ ٢٤): فيه عبد الله بن خراش وهو ضعيف, وحسنه الألباني في ((صحيح الجامع)) (٦٢٨٥).
(٨) [١٠٥٥١])) انظر تعريف الكبيرة في ((شرح العقيدة الطحاوية)) (٢/ ٥٢٦)، و ((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (١١/ ٦٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>